وقد اقترنت الآيات القرآنية بدواع وأسباب في شأن نزولها. ويراد بأسباب النزول «ما نزلت الآية أو الآيات متحدّثة عنه أو مبيّنة لحكمه أيّام وقوعه» (١). فسبب نزول الآية ـ إذن ـ يعدّ قرينة دلالية تحيط بالنصّ من الخارج ، يستعان بها في فهم المعنى وتوجيهه ، وهي «طريق قوي في فهم معاني القرآن» (٢). ويذهب بعض المفسّرين إلى «امتناع معرفة تفسير الآية ، وقصد سبيلها من دون الوقوف على قصّتها وبيان نزولها» (٣).
وتعدّ أسباب النزول من القرائن الدلالية الّتي اعتمد عليها الشريف المرتضى في بيانه لدلالة النصّ القرآني ، فهو حين يقف عند قوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٤). يقول : «المراد بالسيّئة هاهنا الأمراض والمصائب والقحط ، لأنّ قريشا كانت إذا نزل بها خصب وخفض قالوا : هذا من عند الله ، وإذا نزل بهم شدّة ومجاعة قالوا : هذا شؤم محمّد ـ حاشا له من ذلك ـ فيبيّن تعالى أنّ ذلك كلّه من الله تعالى» (٥).
فالشريف المرتضى يصرف دلالة اللفظة «السيّئة» عن معنى الذنب أو الخطيئة إلى معنى المصائب والأمراض ، ويتّخذ من سبب النزول دليلا يعضد به رأيه ، ذلك لأنّ المجبرة اتّخذوا من هذه الآية دليلا على أنّه سبحانه وتعالى خالق لأفعال العباد ، وهو ما يرفضه المرتضى الّذي يقول بمبدأ العدل.
وقد عدّ الشيخ الطوسي رحمهالله هذه الآية من المتشابه ، وردّها إلى آية أخرى محكمة هي قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٦) ، الّتي وجد فيها «دلالة على أنّ المعاصي ليست من عند الله ، بخلاف ما تقوله المجبّرة ، ولا من فعله. لأنّها لو كانت من فعله لكانت من عنده ...» (٧).
__________________
(١) مناهل العرفان في علوم القرآن : ٩٩.
(٢) لباب النقول في أسباب النزول : ٥.
(٣) أسباب النزول : ٤.
(٤) سورة النساء ، الآية : ٧٨.
(٥) رسائل الشريف المرتضى ، ٣ : ١٩٤ ، (مسألة في خلق الأفعال) ، وينظر معاني القرآن ، ٢ : ٧٩.
(٦) سورة آل عمران : الآية : ٧٨.
(٧) التبيان في تفسير القرآن ، ٢ : ٥٠٩.