المخاطب ، في أثناء التفوّه ، فتعطيها هذه الظروف دلالتها الّتي يولدها هذا النوع من السياق» (١) ، ذلك أنّ «المعنى المعجمي ليس كلّ شيء في إدراك معنى الكلام. فثمة عناصر غير لغوية ذات دخل كبير في تحديد المعنى ، بل هي جزء من أجزاء معنى الكلام من ملابسات وظروف ذات صلة» (٢). وقد يكون ما يصاحب اللفظ ويساعد على توضيحه ورود الكلمة أو اللفظة في استعمال معيّن ، وقد يكون ما يصاحب اللفظ من غير الكلام مفسّرا للكلام (٣).
وأوّل من استعمله من المحدّثين عالم المجتمعات البشرية «الانثروبولوجي» : مالينوفسكي ، وقد أخذ منه اللغوي الانكليزي فيرث «سياق الحال» مطلقا عليه اسم Contex of stuation الّذي ترجمه الباحثون العرب المعاصرون ب «سياق الحال» و «الماجرى» و «المقام» و «الموقف» و «السياق الاجتماعي» (٤).
وتجب الإشارة هنا إلى أنّ العلماء العرب القدامي من لغويين وبلاغيين ومفسّرين قد تنبّهوا على هذا النوع من الدلالة لكنّهم اكتفوا في كثير من الأحيان بوصفه عن تسميته (٥). ولعلّ سيبويه (ت ١٨٠ ه) أقدم من نبّه عليه ، فقد أشار إلى الفارق الدلالي بين قولين وحالين يقال فيهما : «القرطاس والله» ، الأوّل يقوله شخص رأى رجلا يسدّد سهما قبل القرطاس ، فيقول هذا الكلام ، ويقصد به : إنّ هذا الرجل يصيب القرطاس. والثاني يقوله بعد وقع السّهم في القرطاس ، ويقصد : إنّه أصاب القرطاس (٦). وقد تنبّه الجاحظ (ت ٢٤٤ ه) على هذا الشيء ، وعقد في كتابه البيان والتبيين مبحثا عن سياق المقام (٧).
__________________
(١) منهج الخليل في دراسة الدلالة القرآنية : ١٦٢ ـ ١٦٣.
(٢) علم اللغة : ٢٨٨.
(٣) ينظر المعاجم اللغوية في ضوء علم اللغة الحديث : ١١٦.
(٤) علم اللغة : ٣٣٩.
(٥) ينظر الدلالة في البيّنة العربية : ١٢٦.
(٦) ينظر الكتاب ، ١ : ٢٥٧ ، والخصائص ، ٢ : ٣٦٠.
(٧) ينظر البيان والتبيين ، ١ : ١٣٦.