وقال قوم : إنّ معنى صرهنّ أي قطّعهنّ وفرّقهنّ ، واستشهدوا بقول توبة بن الحميّر :
فلمّا جذبت الحبل لطّت نسوعه |
|
بأطراف عيدان شديد أسورها |
فأدنت لي الأسباب حتّى بلغتها |
|
بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها |
وقال الآخر :
يقولون إنّ الشّام يقتل أهله |
|
فمن لي إن لم آته بخلود |
تغرّب آبائي فهلّا صراهم |
|
من الموت إن لم يذهبوا وجدودي |
أراد : قطعهم. والأصل صرى يصري صريا ، من قولهم : يأت يصري في حوضه إذا استسقى ثمّ قطع ، والأصل صرى ، فقدّمت اللام وأخّرت العين. هذا قول الكوفيّين ، وأمّا البصريّون فإنّهم يقولون : إنّ صار يصير ، ويصور بمعنى واحد ، أي قطع. ويستشهدون بالأبيات الّتي تقدّمت ، وبقول الخنساء :
«فظلّت الشمّ منها وهي تنصار» (١)
وعلى هذا الوجه لا بدّ في الكلام من تقديم وتأخير ، ويكون التقدير : فخذ أربعة من الطير إليك فصرهنّ أي قطّعهنّ. فإليك من صلة «خذ» ؛ لأنّ التقطيع لا يعدّى بإلى.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) وهل أمره بدعائهنّ وهنّ أحياء أو أموات؟ وعلى كلّ حال فدعاؤهنّ قبيح ؛ لأنّ أمر البهائم الّتي لا تعقل ولا تفهم قبيح. وكذلك أمرهنّ وهنّ أعضاء متفرّقة أظهر في القبح.
قلنا : لم يرد ذلك إلّا حال الحياة دون التفرّق والتمزّق ، فأراد بالدعاء الإشارة إلى تلك الطيور ، فإنّ الانسان قد يشير إلى البهيمة بالمجيء أو الذهاب
__________________
(١) في حاشية اللسان (صور) : في العباب ونسبه إلى الخنساء بنت زهير بن أبي سلمى وروايته فيه :
فلو يلاقى الذى لاقيته حضن |
|
لظلت الشم منه وهى تنصار |
ج ٧ : ص ٤٣٨.