ومعلوم أنّه أفضل الشهور وأشرفها ، وأنّ الأعمال فيه أكثر ثوابا وأجمل موقعا.
ونفي التمام عن شعبان أيضا يكون محمولا على هذا المعنى ؛ لأنّه بالاضافة إلى شهر رمضان أنقص وأخفض بالتفسير الذي قدّمناه (١).
[الثالث : إن سأل سائل] فقال : أيّ معنى لذكر البيوت وظهورها وأبوابها؟ وهل المراد بذلك البيوت المسكونة على الحقيقة ، أو كنّى بهذه اللفظة عن غيرها؟ فإن كان الأوّل فما الفائدة في إتيانها من أبوابها دون ظهورها؟ وإن كانت كناية فبيّنوا وجهها ومعناها.
الجواب : قيل له في الآية وجوه :
أوّلها : ما ذكر من أنّ الرجل من العرب كان إذا قصد حاجة فلم تقض له ، ولم ينجح فيها رجع فدخل من مؤخّر البيت ، ولم يدخل من بابه تطيّرا ، فدلّهم الله تعالى على أنّ هذا من فعلهم لا برّ فيه ، وأمرهم من التّقى بما ينفعهم ويقرّبهم إليه ، وقد نهى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن التطيّر وقال : «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» ؛ أي لا يعدي شيء شيئا. وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يورد ذو عاهة على مصحّ» ؛ ومعنى هذا الكلام أنّ من لحقت إبله آفة أو مرض فلا ينبغي أن يوردها على إبل لغيره صحاح ، لأنّه متى لحق الصّحاح مثل هذه العاهة إتّفاقا ، لا لأجل العدوي ولم يؤمن من صاحب الصّحاح أن يقول إنّما لحق إبلي هذه الآفة من تلك الإبل ، وهي أعدت إبلي ، فنهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن هذا ، ليزول المأثم بين الفريقين والظّنّ القبيح.
وثانيها : أنّ العرب إلّا قريشا ومن ولدته قريش كانوا إذا أحرموا في غير الأشهر الحرم لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ، ودخلوها من ظهورها إذا كانوا من أهل الوبر ، وإذا كانوا من أهل المدر نقبوا في بيوتهم ما يدخلون ويخرجون منه ، ولم يدخلوا ولم يخرجوا من أبواب البيوت ؛ فنهاهم الله تعالى ، عن ذلك وأعلمهم أنّه لا معنى له ، وأنّه ليس من البرّ وأن البرّ غيره.
__________________
(١) الرسائل ، ١ : ١٥٧.