وقد ذكر وجه آخر ؛ وهو أن يكون الهاء راجعة إلى «من آمن» أيضا ، وينتصب ذوي القربى بالحبّ ، ولا يجعل «لآتي» منصوبا لوضوح المعنى ، ويكون تقدير الكلام : وأعطى المال في حال حبّه ذوي القربى واليتامى ، على محبّته إيّاهم : وهذا الوجه ليس فيه مزية في باب رجوع الهاء التي وقع عليها السؤال ، وإنّما يتبيّن ممّا تقدّم بتقدير انتصاب ذوي القربى بالحبّ ، وذلك غير ما وقع السؤال عنه ؛ والأجوبة الأول أقوى وأولى.
فأمّا قوله : (وَالْمُوفُونَ)، ففي رفعه وجهان :
أحدهما : أن يكون مرفوعا على المدح ؛ لأنّ النعت إذا طال وكثر رفع بعضه ، ونصب بعضه على المدح ؛ ويكون المعنى : وهم الموفون بعهدهم ، قال الزجّاج : هذا أجود الوجهين.
والوجه الآخر : أن يكون معطوفا على «من آمن» ويكون المعنى : ولكنّ ذا البرّ وذوي البرّ المؤمنون والموفون بعدهم.
فأمّا نصب «والصّابرين» ففيه وجهان :
أحدهما : المدح ، لأنّ مذهبهم في الصفات والنعوت إذا طالت أن يعترضوا بينهما بالمدح أو الذمّ ، ليميّزوا الممدوح أو المذموم ويفرّدوه ، فيكون غير متّبع لأوّل الكلام ؛ من ذلك قول الخرنق بنت بدر بن هفّان :
لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيّبين معاقد الأزر (١) |
فنصبت ذلك على المدح ، وربّما رفعوهما جميعا ، على أن يتبع آخر الكلام أوّله ؛ ومنهم من ينصب «النازلين» ويرفع «الطيبين» وآخرون يرفعون «النازلين» وينصبون «الطيبين» والوجه في النصب والرفع ما ذكرناه ، ومن ذلك قول الشاعر ، أنشده الفراء :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
__________________
(١) ديوانها : ١٢ ، واللآلىء : ٥٤٨ ، ونوادر أبي زيد ١٠٨ ، والكامل ـ بشرح المرصفي : ٦ / ١٥٨.