يصف جماعة بأنّهم خيار عدول ؛ وفيهم من ليس بعدل ولا خيّر ، وهذا ممّا يوافقنا عليه صاحب الكتاب ، وإن كان أراد بعضهم لم يخل ذلك البعض من أن يكون هو جميع المؤمنين المستحقّين للثواب أو يكون بعضها منهم غير معيّن ، فإن كان الأوّل فلا دلالة توجب عمومها في الكلّ دون حملها على بعض معيّن ؛ لأنّه لا لفظها هنا من الألفاظ التي تدّعى للعموم ، كما هو في الآيتين المتقدّمتين (١) ، وإن كان المراد بعضا معيّنا خرجت الآية من أن تكون فيها دلالة لخصومنا على الخلاف بيننا وبينهم ، ولم يكن بعض المؤمنين بأن تقتضي تناولها له أولى من بعض فساغ لنا أن نقصرها على الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم ، ويكون قولنا أثبت في الآية من كلّ قول ؛ لقيام الدلالة على عصمة من عدلنا بها إليه (٢) وطهارته ، وتميّزه من كلّ الأمّة.
فإن قيل : إطلاق القول يقتضي دخول كلّ الأمّة فيه لولا الدلالة التي دلّت من حيث الوصف المخصوص على تخصيص من استحقّ المدح منهم ، والثواب ، فإذا خرج من لا يستحقّهما بدليل وجب عمومها في كلّ المستحقّين الثواب والمدح ؛ لأنّه ليس هي بأن تتناول بعضا أولى من بعض.
قيل : إنّ إطلاق القول لا يقتضي كلّ الأمة ـ على أصلنا ـ حتّى يلزم إذا أخرجنا من لا يستحق الثواب منه أن لا يخرج غيره ، ولو اقتضى ذلك ووجب تعليق الأمّة من عدا الخارجين عن استحقاق الثواب ، لوجب القضاء بعمومها في جميع من كان بهذه الصفة في سائر الأعصار ؛ لأنّ ظاهر العموم يقتضيه على مذهب من قال به ، فكان لا يسوغ حمل القول على إجماع كلّ عصر ؛ لأنّه تخصيص لا يجد مقترحه فرقا بينه وبين من اقترح تخصيص فرقة من كلّ عصر ، وهذا يبطل الغرض في الاحتجاج بالآية.
وليس لأحد أن يقول : كيف يكون اجتماع جميع أهل الأعصار على الشهادة
__________________
(١) يعني بذلك ما تقدم في أصل الكتاب وهما الآية ١١٥ من سورة النساء ، والآية ١٥ من سورة لقمان. وسيأتي الكلام فيهما.
(٢) أي عدلنا بالآية إلى الإمام المعصوم.