فأما قوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) فلا يليق إلّا بالمسميات دون الأسماء ؛ لأنّ هذه الكنايات لا تليق بالأسماء وإنّما تليق بالعقلاء من أصحاب الأسماء أو العقلاء إذا انضم إليهم غيرهم ممّا لا يعقل على سبيل التغليب لما يعقل ، كما يغلب المذكّر على المؤنّث إذا اجتمعوا في الكناية ، كما يقول القائل : أصحابك وامائك جاؤوني ، ولا يقال : جائني.
وممّا يشهد للتغليب قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) (١) (٢).
وقيل : إنّ في قراءة أبيّ : «ثمّ عرضها» وفي قراءة عبد الله بن مسعود : «ثمّ عرضهنّ» وعلى هاتين القراءتين يصلح أن تكون عبارة عن الأسماء.
أمّا قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) فعند أكثر أهل العلم وأصحاب التفسير أن الإشارة بهذه الأسماء إلى جميع الأجناس من العقلاء وغيرهم. وقال قوم : أراد أسماء الملائكة خاصّة. وقال آخرون : أراد أسماء ذرّيّته. والصواب القول الأوّل الّذي عليه إجماع أهل التفسير ، والظاهر يشهد به ؛ لقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (٣).
وقد يبقى في هذه الآية سؤال لم نجد أحدا ممن تكلم في تفسير القرآن ، ولا في متشابهه ومشكله تعرّض له ؛ وهو من مهمّ ما يسأل عنه ، وذلك أن يقال : من أين علمت الملائكة لما خبّرها آدم عليهالسلام بتلك الأسماء صحّة قوله ، ومطابقة الأسماء للمسمّيات ؛ وهي لم تكن عالمة بذلك من قبل ؛ إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء ؛ ولم تعترف بفقد العلم ؛ والكلام يقتضيه ؛ لأنّهم لمّا أنبأهم آدم بالأسماء علموا صحّتها ومطابقتها للمسمّيات ؛ ولو لا ذلك لم يكن لقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معنى ، ولا كانوا مستفيدين بذلك نبوّته وتمييزه واختصاصه بما ليس لهم ؛ لأنّ كلّ ذلك إنّما يتمّ مع العلم دون غيره.
والجواب : أنّه غير ممتنع أن يكون الملائكة في الأوّل غير عارفين بتلك
__________________
(١) سورة نور ، الآية : ٤٥.
(٢) الرسائل ، ٣ : ١١٢.
(٣) الرسائل ، ٣ : ١١٢.