فإن قيل : فمن أين قلتم أنّ الصغائر لا تجوز على الأنبياء في حال النبوّة وقبلها؟
قلنا : الطريقة في نفي الصغائر في الحالتين هي الطريقة في نفي الكبائر في الحالتين عند التأمّل ؛ لأنّا كما نعلم أنّ من يجوز كونه فاعلا لكبيرة متقدّمة قد تاب منها وأقلع عنها ولم يبق معه شيء من استحقاق عقابها وذمّها ، لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من لا يجوز عليه ذلك. وكذلك نعلم أنّ من يجوز عليه الصغائر من الأنبياء عليهمالسلام أن يكون مقدما على القبائح مرتكبا للمعاصي في حال نبوّته أو قبلها ، وإن وقعت مكفّرة لا يكون سكوننا إليه كسكوننا إلى من نأمن منه كلّ القبائح ولا نجوّز عليه فعل شيء منها. فأمّا الاعتذار في تجويز الصغائر بأنّ العقاب والذمّ عنها ساقطان فليس بشيء ؛ لأنّه لا معتبر في باب التنفير بالذمّ والعقاب حتّى يكون التنفير واقعا عليهما ، ألا ترى أنّ كثيرا من المباحات منفّر ولا ذمّ عليه ولا عقاب وكثيرا من الخلق والهيئآت منفّر وهو خارج عن باب الذمّ؟ على أنّ هذا القول يوجب على قائله تجويز الكبائر عليهم قبل البعثة ؛ لأنّ التوبة والاقلاع قد أزالا الذمّ والعقاب اللذين يقف التنفير على هذا القول عليهما.
فإن قيل : كيف تنفّر الصغائر وإنّما حظّها تقليل الثواب وتنقيصه؟ لأنّها بكونها صغائر قد خرجت من اقتضاء الذمّ والعقاب ، ومعلوم أنّ قلّة الثواب غير منفّرة. ألا ترون أنّ كثيرا من الأنبياء عليهمالسلام قد يتركون كثيرا من النوافل ممّا لو فعلوه لاستحقّوا كثيرا من الثواب ، ولا يكون ذلك منفّرا عنهم.
قلنا : إنّ الصغاير لم تكن منفّرة من حيث قلّة الثواب معها ، بل إنّما كانت كذلك من حيث كانت قبائح ومعاصي لله تعالى ، وقد بيّنا أنّ الملجأ في باب المنفّر إلى العادة والشاهد. وقد دللنا على أنّهما يقتضيان بتنفير جميع الذنوب والقبائح على الوجه الّذي بيناه.
وبعد : فإنّ الصغائر في هذا الباب بخلاف الامتناع من النوافل ؛ لأنّها تنقص