جديدة ، بهت التي عنده بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه فى تزوج الجديدة ، فنهوا عن ذلك.
ثم استعظم ذلك فقال : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) بالمماسة والجماع حتى تقرر الصداق واستحقته بذلك ، وقد (أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) وهو حسن الصحبة ، أو الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ، أو تمكينها نفسها منه ، فإنها ما مكنته إلا لوفاء العهد فى الصداق ودوام العشرة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : إذا كان العبد مشتغلا بجمع دنياه ، عاكفا على حظوظه وهواه ، ثم استبدل مكان ذلك الانقطاع إلى مولاه والاشتغال بذكر الله ، حتى أفضى إلى شهود أنوار قدسه وسناه ، فلا ينبغى أن يرجع إلى شىء خرج عنه لله. ولا يلتفت إلى ما ترك من أمر دنياه ، فإن الرجوع فى الشيء من شيم اللئام وليس من شأن الكرام ، وتأمل ما قاله الشاعر :
إذا انصرفت نفسى عن الشيء لم تكن |
|
إليه بوجه آخر الدهر تقبل |
وكيف تأخذ ما خرجت عنه لله ، وقد أفضيت إلى شهود أنوار جماله وسكنى حماه ، فاتحد عندك كل الوجود ، وكل شىء عن عين بصيرتك مفقود ، بعد أن أخذ عليك مواثيق العهود ، ألا ترجع إلى ما كان يقطعك عن حضرة الشهود ، وبالله التوفيق. وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ثم شرع يتكلم على ما يحرم من النساء ، فقال :
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))
قلت : أوقع «ما» على ما يعقل لقلة عقل النساء ، كما تقدم (١) ، أو مصدرية ، والاستثناء منقطع أو متصل على وجه المبالغة فى التحريم ، أي لا تنكحوا ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف لآبائكم إن قدرتم عليه ، فهو كقول الشاعر :
لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم بهنّ |
|
فلول من قراع الكتائب (٢) |
يقول الحق جل جلاله : ولا تتزوجوا ما تزوج به (آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) بالعقد فى الحرائر والوطء فى الإماء ، (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) فإن الله قد عفا عنكم بعد فسخه وردّه ، (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) عظيمة عند الله ،
__________________
(١) راجع : تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى ..) الآية (٣) من هذه السورة.
(٢) البيت للنابغة الزبيانى.