الإشارة : كنتم يا معشر الصوفية خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالجمع على الله والغيبة عما سواه ، وتنهون عن كلّ ما يبعد عن الله ويفرق العبد عن مولاه ، وتؤمنون بالله وبما وعد به الله ، إيمان الشهود والعيان ، الذي هو مقام الإحسان. قال القشيري فى رسالته : (قد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه ، وفضّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه).
وقال الجنيد رضي الله عنه : لو نعلم أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا ، لسعيت إليه ولو حبوا. ه. وكان كثيرا ما ينشد :
علم التصوف علم ليس يعرفه |
|
إلّا أخو فطنة بالحقّ معروف |
وليس يبصره من ليس يشهده |
|
وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف |
وقال الشيخ الصقلى : (كلّ من صدّق بهذا العلم فهو من الخاصة ، وكل من فهمه فهو من خاصة الخاصة ، وكل من عبّر به وتكلم فيه فهو من النجم الذي لا يدرك والبحر الذي لا ينزف). وقال فى الإحياء ـ لمّا تكلم على معرفة الله والعلم بالله ، قال : (والرتبة العليا فى ذلك للأنبياء ، ثم للأولياء العارفين ، ثم للعلماء الراسخين ، ثم للصالحين). فقد قدّم الأولياء على العلماء. قال ابن رشد : وما قاله القشيري والغزالي متفق عليه. قال : ولا يشكّ عاقل أنّ العارفين بالله وما يجب له من الكمال ، أفضل من العارفين بأحكام الله. انظر تمامه فى المعيار. وقال فى المباحث :
حجّة من يرجّح الصوفية |
|
على سواهم حجّة قويّه |
هم أتبع النّاس لخير النّاس |
|
من سائر الأنام والأناس |
ثم قال :
ثمّ بشيئين تقوم الحجّة |
|
أنّهم قطعا على المحجّه (١) |
وما أتوا فيه بخرق العاده |
|
إذ لم تكن لمن سواهم عاده |
قد رفضوا الآثام والعيوب |
|
وطهّروا الأبدان والقلوب |
وبلغوا حقيقة الإيمان |
|
وانتهجوا مناهج الإحسان |
__________________
(١) المحجة : الطريق المستقيم.