إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :603

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ١ ]

251/603
*

يقول الحق جل جلاله : ولا تتزوجوا النساء (الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) ، ونكاحهن حرام ، بخلاف الكتابيات ، كما فى سورة المائدة. ونكاح أمة سوداء (مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ) نكاح (مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) حسنا وحسبا ومالا ، أو : ولا مرأة مؤمنة أمة كانت أو حرة خير من مشركة ؛ إذ النساء كلهن إماء الله.

روى أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعث مرثدا الغنوي إلى مكة ليخرج منها ناسا من المسلمين فأتته امرأة يقال لها : عناق ، وكان يهواها فى الجاهلية ـ فقالت : ألا تخلو؟ فقال : إن الإسلام حال بيننا ، فقالت : هل لك أن تتزوج بي؟ فقال : نعم ، ولكن أستشير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستشاره ، فنزلت الآية. قاله البيضاوي.

ولا تزوجوا المشركين وليّتكم ، وهو حرام مطلقا ؛ إذ الرجال قوامون على النساء ، ولا تسلّط للكافر على المسلمة ، فلا تنكحوهم (حَتَّى يُؤْمِنُوا) ، (وَلَعَبْدٌ) أسود مملوك (مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) حسبا ومالا ؛ إذ لا حسب مع الكفر. وإنما حرّم نكاح أهل الكفر ؛ لأنهم (يَدْعُونَ إِلَى) الكفر ، وهو سبب (النَّارِ) ، والصحبة توجب عقد المحبة ، والطباع تسرق ، فلا يؤمن جانب الكفر أن يغلب على الإيمان ، (وَاللهُ) تعالى إنما (يَدْعُوا إِلَى) سبب (الْمَغْفِرَةِ) ، والتطهير من لوث الكفر والمعاصي (بِإِذْنِهِ) وقدرته ، فلا يأمر إلا بما يقوى عقد الإيمان واليقين ، وينهض إلى الطاعات ، وهو صحبة أهل الإيمان واليقين ، (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ) الدالة على جمع عباده إليه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فيها ، ويتعظون بتذكيرها ووعظها.

الإشارة : لا ينبغى للفقير أن يعقد مع نفسه عقد الصحبة والمودة ، أو ينظر إليها بعين الشفقة والرحمة ، ما دامت مشركة بشهود السّوى ، أو مائلة بطبعها إلى الهوى ، ولأن تكون عندك نفس مؤمنة بعلم التوحيد ، خير من نفس مشركة برؤية الغير ، ولو أعجبتك فى الطاعة ، وظهور الاستقامة ، فقد تظهر الطاعة والخدمة ، وتبطن مالها فيها من الحظوظ والمتعة ، فليتهمها ما دامت مشركة ، فإذا آمنت ووحدت الله تعالى ، فلم تر معه سواه ، فلا بأس بعقد النكاح معها ، فإنها لا تأمره إلا بما يقوى شهودها وتوحيدها. وكذلك لا ينبغى أن يعقد نكاح نفسه ، ويدفعها لمن يشهد السّوى ؛ شيخا أو أخا ، ولو أعجبك طاعته واجتهاده ، ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه ، خير من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه ، أولئك أهل النفوس ـ يدعون إلى نار الشهوات والحظوظ العاجلة أو الآجلة ، والله يدعو إلى التطهير من شهود الأغيار ، والدخول فى حضرة الأسرار ، وهذا لا يكون إلا للعارفين الأبرار ؛ الذين تطهروا من الأكدار ، وتخلصوا من شهود الأغيار ، كذلك يبين الله آياته للناس ـ الدالة على وحدانيته ـ لعلهم يتعظون فينزجرون عن متابعة الهوى ، أو رؤية وجود السوي. وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق.