تعريف الغريب :
إذا كان المعنى اللغوي للغريب الغموض. فإن معناه الاصطلاحي يختلف عن ذلك قليلا أو كثيرا تبعا لاختلاف آراء اللغويين في ذلك. وتكاد تنحصر آراؤهم في ثلاثة معان كما يأتي :
١ ـ قلة الاستعمال : عرّف قسم من اللغويين الغريب بأنه ما قل استعماله. ولعل أول من ذهب إلى ذلك الزجاجي (ت ٣٣٧ ه) حين عرّفه بأنه «ما قلّ استماعه من اللغة ولم يدر في أفواه العامة ، كما دار في أفواه الخاصة» (١). ودوران الكلام في الأفواه هو الاستعمال.
وذهب إلى هذا المعنى أيضا الآمدي (ت ٣٧١ ه) بقوله إن الحوشي أو اللفظ الغريب «لا يتكرر في كلام العرب كثيرا» (٢).
وقال بذلك أيضا ابن السيد البطليوسي (ت ٥٢١ ه) إذ فسر الغريب بما «لم تجر العادة باستعماله أو كان قليل الاستعمال» (٣).
ويرى ابن الأثير (ت ٦٣٧ ه) أن الوحشي من الكلام «إنما هو الغريب الذي يقل استعماله» (٤) بعد أن عدّ الغريب والوحشي مترادفين تماما.
ومن الذين ذهبوا إلى هذا الرأي من المحدثين الدكتور تمام حسان في أحد تعريفيه للغريب (٥). وكذلك حفني ناصف (٦).
ويبدو أن أغلب أصحاب هذه التعريفات قد وقعوا ببعض الالتباس. فلم يفرقوا في تعريفهم بين السبب والمسبّب. لأن الاستعمال هو السبب في حدوث الغريب. والغريب يكون نتيجة له. وهناك فارق بين السبب والنتيجة.
يضاف إلى ذلك أن ظواهر لغوية أخرى تشترك في قلة الاستعمال أمثال الكلمات الشاذة وقسم من الكلمات المتضادة أو المشتركة. فلا يكون الاقتصار على قلة الاستعمال في تعريف الغريب دقيقا.
٢ ـ مخالفة القياس : عرف الدكتور تمام حسان الغريب ـ في تعريفه الثاني له ـ بأنه «المفردات العربية الأصل التي لا تخضع لقواعد الصياغة العربية المشهورة» (٧). والخطأ في هذا التعريف واضح وبين ، وتكفي قراءة سريعة لأي كتاب في الغريب للقطع بأن الغالبية العظمى من المفردات فيه تسير وفق القياس ، وتخضع لقواعد الصياغة العربية.
__________________
(١) الإيضاح في علل النحو ٩٢.
(٢) الموازنة ٢ / ٢٥٩.
(٣) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب ١ / ١٢٤.
(٤) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر ١ / ٢٣٤.
(٥) انظر الأصول ٢٨٩.
(٦) الأسماء العربية لمحدثات الحضارة والمدنية ١٠.
(٧) انظر الأصول ٢٨٩.