وأخذ هذا الموضوع يلح عليه في صحوته ويراوده في منامه فقد نقل عن زيد قوله رأيت في المنام «جماعة عليهم لباس لم أر أحسن منه فجلسوا حولي وأنا ساجد فقال رئيسهم هل هو هذا فقالوا نعم. فقال : أبشر يا زيد فإنك مقتول في الله ومصلوب محروق بالنار ولا تمسك النار بعدها أبدا فانتبهت وأنا فزع» (١).
ثم ما لبث أن أتته في ضمن ما أتت رسائل أهل العراق تدعوه إلى الثورة وتنبئه بأن له أعوانا يقفون خلفه. فأخذها زيد وذهب بها إلى أخيه الإمام محمد الباقر ليستشيره فيها «فقال له أبو جعفر هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه فقال : بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله (ص) ... ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء» (٢) فترك أخوه له الخيار وإن رجح له عدم الخروج لكون الظروف غير ملائمة. وإذا ما علمنا أن وفاة أخيه سنة (١١٤ ه) نقدر أن هذه الحادثة وقعت قبل ما يزيد عن ست سنوات من إعلان ثورته.
وقد دفعه إلى التفكير في الثورة أيضا ما غرس في نفسه من حب للاصلاح في أمة محمد (ص) ولو كان ثمن ذلك حياته ؛ فقد نقل عنه أنه قال لبعض رفاقه إني وددت لو أرفع إلى الثريا «وأقع إلى الأرض أو حيث أقع فاتقطع قطعة قطعة» (٣) في مقابل إصلاح حال المسلمين.
وقال في ذلك أيضا «لوددت أني أحرق بالنار ثم أحرق بالنار وأن الله أصلح لهذه الأمة أمرها» (٤).
ثم شرع بالتمهيد لثورته عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعوة الناس إلى التصدي للظلم ومحاربة الجور ، وفضح الأعمال التي يقوم بها الولاة أو الخليفة المخالفة لما جاء به الإسلام الحنيف. وباشر دعوة من يثق بهم إلى الثورة فدخل المسجد النبوي الشريف مرة ورأى جماعة منهم سعد بن إبراهيم فقال لهم زيد : «يا قوم أأنتم أضعف من أهل الحرة؟ قالوا لا. قال : وأنا أشهد أن يزيد ليس شرا من هشام فما لكم؟ فقال سعد لأصحابه : مدة هذا قصيرة فلم يلبث أن خرج» (٥).
وكان يقول للناس إنه لا يمكن له أن يتغاضى أكثر من ذلك عما يشاهده من ظلم يقترف وأعمال بعيدة عن الإسلام يجاهر بها فقال : «لا يسعني أن أسكت وقد خولف كتاب الله وتحوكم إلى الجبت والطاغوت» (٦).
__________________
(١) أعيان الشيعة ٣٣ / ٦٧.
(٢) أعيان الشيعة ٣٣ / ٦٧.
(٣) مقاتل الطالبين ١٢٩.
(٤) تفسير فرات الكوفي ١٦٧.
(٥) فوات الوفيات للكتبي ٢ / ٣٧.
(٦) أعيان الشيعة ١٣ / ٨٩.