قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا)
لمّا بيّن تعالى أنّه هو الربّ دون ما يعبدونه من دونه كان لازم ذلك أنّه مرجعهم جميعا ، لأنّه الربّ ولا مرجع للمربوب إلّا ربّه ، إلّا أنّ الكفّار لا يفهمون من هذه الكلمة إلّا المرجع في امور الدنيا لعدم إذعانهم بدار غير دار الدنيا والغرض غيره ، ولذا أكّد البيان ثانيا بقوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) وهو الوعد الثابت ، وأكّد هذا الوعد الثابت بقوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) إلى آخر الآية.
قوله تعالى : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ)
في الآيات استدلال على ثبوت المعاد ، وهو استدلال واحد.
بيان ذلك : أنّ الإنسان بحكم الغريزة والفطرة يحكم بأنّ كلّ سبب يفيض على مسبّبه أمرا فذلك الأمر ينتهي إلى السبب لا يتجاوزه ولا يتعدّاه ، هذه النار تعطي لما يتّصل بها حرارة تبتديء منها وتنتهي إليه ، وإذا رجعنا وسرنا قهقرى إنتهى بنا السير إلى النار لا نتعدّاها ، فالنار على هذا هي المبدأ للحرارة وهي المبتدئة منها ، ثمّ إذا نظرنا إلى الحرارة وقد انصبّت من النار إلى المحلّ وانفصلت منها وملكها المحلّ إنقطعت النار واستقلّ المحلّ في حرارته ، لكنّ السبب لو لم ينقطع عن مسبّبه ، وآية ذلك أن لا يستقل المسبّب عن سببه ولا يملكه ، قضينا ثانيا بحكم الغريزة على أنّ السبب لم ينقطع عن مسبّبه ولم يرفع اليد عن أثره ، فالأثر الموجود هو أثره وإعطائه ، وفقدان المحلّ للأمر أخذ من السبب للأثر وهو المالك لأثره في الحالين جميعا معطيا وآخذا ، واعتبر ذلك من مثال السفينة المتحركة والمحرّكة لجالسها ، فحركة الجالس وسكونه للسفينة ، منها تبتديء وإليها تنتهي ، هذا هو الذي يحكم به الإنسان بفطرته.