أوّلا ، وثانيا : تبيّن له أنّ النظر وحده لا يوصله إلى مطلوبه وغايته ، بل بهداية من ربه ، فقال : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) ، غير أنّ هذا أيضا نوع نظر لا يوجب الإتّصال بربّه والإستهداء بهدايته ، ولذلك أخطأ النظر الثالث منه ـ عليهالسلام ـ أيضا حينما (رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ) وتبيّن له عليهالسلام خطأ نظره ، تبيّن له أن الأمر لله جميعا لا ينجيه من الضلال إلّا البراءة النذّامّة إليه والإستعاذة به ، فقال عند ذلك : (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) فأكد الكلام ب : إنّ والجملة الإسمية وجاء بالمسند اسما دالا على الثبوت فهداه الله سبحانه من غير فصل ومهلة بقوله : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ثم قال :(حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، الحنف : الميل ، أي مائلا إلى التوحيد ومنفصلا عن الشرك.
قوله سبحانه : (قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ)
ولو لا أنّه عليهالسلام وجده أكبر لم يقل هذا ربّي لمساواتها القمر ، ومن هنا يعلم أنّه إنّما قال في القمر هذا ربّي بعد ما قال مثله في الزهرة وتبرأ منها لمكان الكبر الذي وجده في القمر ، ويؤمي إليه قوله تعالى : (هذا أَكْبَرُ) ، فإنّ الأكبر يقتضي كبيرا يقاس إليه.
قوله تعالى : (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ)
هذا يؤيّد ما قدّمناه أنّ المقام لبيان اهتداء إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لا هدايته للناس.