العرش : هو سرير الملك ، والإستواء عليه هو : الإستقرار في الجلوس عليه ، وهو أخص بالملك ، كما أنّ الكرسي أعمّ ، فالإستواء على العرش كناية عن الإستيلاء على الملك والتسلّط على المملكة بأخذ زمام تدبير أمورها.
وأنت إذا تأمّلت مملكة ذات اجتماع مدني ، وجدتها ذات أفراد ونفوس تقوم بهم جزئيات كثيرة غير محصورة أو غير متناهية من أمور وحوادث ترتبط بحياتهم ، وتلك الجزئيات تتحد وتتلائم من جهة روابط تربط ما بينها ، وتجمع كل عدّة منها تحت ناموس نوعي ، ثم تلك النواميس النوعية أنفسها تجتمع عند نواميس أخرى نوعيّة ، وهكذا إلى أن تجتمع جميعا في واحدة هي ملتقى جميع الأزمّة ، ومنها تبدأ الحوادث النوعيّة ، ومن النوعيّة الشخصية ، وإليها تنتهي جميعا ، والفطرة قاضية أنّ الأفراد الكثيرين ، لا تقوم لحفظ النواميس النوعيّة من حيث كثرتهم ، بل يجب جمع الأزمّة في أيّ مرتبة من المراتب المذكورة في مقام وكرسيّ يشغله واحد يسمّى ب : الرئيس أو بالملك ، ينظر في الأمور من حيث روابطها النوعيّة ، ويدبرّها بروح نوعيّة لا بروح شخصيّة ، فإنّ الروح الشخصيّة لا تفي إلّا بتدبير أفعال نفس شخصية لا نوعيّة ، فالجزئيات من أمور المملكة تابعة لأزمّة النوعية ونابعة ومترشّحة منها ، وهي جميعا للزّمام الواحد الذي يجمع الجميع عند عرش المملكة ، فكل سافل منها موجود بكلّه فيما فوقها بنحو الإجمال والإنطواء ، والجميع عند مجمع الجميع بنحو أكثر اندماجا وأدقّ انطواءا وبساطة ، وكذا لو أخذنا من العلوّ إلى السفل وجدنا كلّ عال موجودا في السافل كأنّه هو الذي أخذ في الإنتشار والتفصيل فصار هو الكثير ، ثمّ لو فرضنا تخلّف أمر من هذه الأمور عن مجراه المقررّ له وعن تدبير زمامه النوعي ، احتاج إلى حلّ ربطه بسببه ونوعه وهو المسمّى ب : الإذن ، فيأذن الملك أو