فإطلاق الوراثة يقتضي تعلّقا بالغير ، فإرث أهل الجنة إيّاها يوجب تعلّقا ما لها بالغير وهم أهل النار ، فلهم منازل فيها كمنازلهم ، ويلوح هذا المعنى من قوله : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) (١).
وفي معناه آيات أخر ، وفي الآيات لطائف معان يظهر بالتدبّر فيها.
قوله سبحانه : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ)
في المجمع والمعاني : عن علي ـ عليهالسلام ـ : «أنا ذلك المؤذّن» (٢).
أقول : وروى هذا المعنى في الكافي وتفسير القمّي : عن موسى بن جعفر ـ عليهماالسلام ـ ، وفي تفسير العياشي : عن الرضا ـ عليهالسلام ـ (٣).
قوله : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ)
الأعراف : أعالي الحجاب وكثبان الرمل ، ويؤيّد المعنى الأوّل وقوع لفظ الحجاب قبل ذلك ، وكان الأصل فيه العرفان ، فأعالي الحجاب أعراف لكونها مشرفة على الجانبين يعرف بها ظهر الحجاب وبطنها ، والكثبان ، والإرتفاعات من الرمل أعراف لكونها يعرف من أعاليها الأطراف والجميع حجاب ، وكيف كان ، فالآيات تدلّ على وجود حجاب بين أهل الجنة وأهل النار يحتجب كلّ من الفريقين به عن الآخر ، وفي أعالي هذا الحجاب رجال لم يسمّهم سبحانه ، وإن كانت الأوصاف التي وصفهم بها يعيّنهم بعض التعيين ، كما لم يسمّ المؤذّن
__________________
(١). الزمر (٣٩) : ٧٤.
(٢). مجمع البيان ٤ : ٢٥٩ ، معاني الأخبار : ٥٩ ، الحديث : ٩.
(٣). الكافي ١ : ٤٢٦ ، الحديث ٧٠ ؛ تفسير القمي ١ : ٢٣١ ؛ تفسير العياشي ٢ : ١٧ ، الحديث ٤١.