(ثُمَّ جاءَكُمْ) وقوله : (فَمَنْ تَوَلَّى) ، إذ هذا النوع من الخطاب بامم الأنبياء أليم وأنسب ، وحينئذ فقوله : (فَاشْهَدُوا) ، ليس خطابا للامم ؛ إذ الشهادة قد مرّ أنّها غير مبذولة إلّا للواحد بعد الواحد من أولياء الله تعالى ، على أنّ الشاهد على الميثاق يجب أن يكون غير الموثّق عليه.
فما قيل : إنّ الشهادة لبعضهم على بعض (١) غير مستقيم ، وسيجيء ما يشعر به من الروايات.
وعلى هذا فمناسبة الآية مع ما قبلها من قصّة عيسى وأمر النصارى : أنّ أهل الكتاب قد اخذ عليهم الميثاق أن لا يفرّقوا بين الرسل ويؤمنوا بالنبيّ محمّد ـ صلىاللهعليهوآله ـ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، فنقضوا عهد الله ونسوا ميثاقه ، هذا.
وعلى الثاني : كان المراد من مجيء الرسول اللحوق [وهو] أعمّ من الحضور والغيبة ، بحسب الوجود الدنيوي إذ إطلاق النبيّين ـ وهو جمع محلّى باللام ـ يفيد الإستغراق ، ومن الإيمان والنصرة إظهار الموافقة والإخبار به والدعوة إليه كما بشّر عيسى بمحمّد ـ صلىاللهعليهوآله ـ.
ويمكن أن يكون المراد بالمجيء ، هو مطلق اللحوق في العدّ ، فيؤمن كلّ رسول بمن سبقه وينصره ، وبمن لحق به وينصره ، كما يؤيّده قوله : (قُلْ آمَنَّا) ، حيث أمر النبيّ ـ صلىاللهعليهوآله ـ بهذا الإيمان.
وعلى كلّ من التقديرين روايات.
ففي المجمع والجوامع عن الصادق ـ عليهالسلام ـ في الآية : معناه : وإذ أخذ الله ميثاق امم النبيّين كلّ امّة بتصديق نبيّها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به
__________________
(١). مجمع البيان ٢ : ٣٣٥.