الفاهم معنى ، وللمتدّبر معنى ، وللعالم معنى ، ولذي اللبّ معنى.
وقال تعالى في التأويل : (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) ، (١) فبيّن أنّه جعله عربيّا مقروءا ليعقله الناس ، وإلّا فهو في اللوح عال عن التلبّس بلباس اللغة ، محكم لا يتطرّق إليه التفرّق والشتات ، كما قال : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) ، (٢) وقال سبحانه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) ، على قراءة التشديد ، (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) ، (٣) وقال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، (٤) فهذه مرتبة من القرآن في افق فهم الناس ، وتلك مرتبة أعلى افقا من أن تناله أيدي الأفهام العادية ، موطنها اللوح المحفوظ والكتاب المكنون عن غير المطهّرين ، قال سبحانه : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) ، (٥) وقال : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) ، (٦) ثمّ إنّه سبحانه قال :
(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) ، (٧) وهذه المرتبة التي أخبر عنها أخفض سطحا ممّا ذكره بقوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا) ، (٨) وأرفع مكانا ممّا ذكره بقوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ
__________________
(١). الزخرف (٤٣) : ٢ ـ ٤.
(٢). هود (١١) : ١.
(٣). الإسراء (١٧) : ١٠٦.
(٤). الدخان (٤٤) : ٥٨.
(٥). البروج (٨٥) : ٢١ ـ ٢٢.
(٦). الواقعة (٥٦) : ٧٥ ـ ٧٩.
(٧). الدخان (٤٤) : ٢ ـ ٣.
(٨). الزخرف (٤٣) : ٤.