تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (١)». (٢)
أقول : وفي هذا المعنى روايات اخرى ، وفيها أيضا أنّ ذلك من التأويل ، وسيجيء معنى التأويل في أوائل سورة آل عمران.
قوله سبحانه : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ...)
وهذا أيضا من شواهد أنّ الصبر هاهنا هو الصبر في جنب الله ، فكون الأشياء ملكا خالصا لله سبحانه ، لا يدع لها من نفسها شيئا ، حتّى يجزع على فقده جازع متأسف ، إلّا ما يتراءى في الظاهر من ملك الإنسان لنفسه ـ ولما يتعلّق به نوع تعلّق ـ ملكا صوريّا واستقلالا وهميّا ، ويحسمه : أنّ هذه الأشياء هالكة جميعا راجعة إليه سبحانه ، فالتفات المصاب إلى هذين المعنيين يمنع من نزول أثر النازلة في نفسه.
اعلم : أنّ إصلاح أخلاق النفس وملكاتها في جانبي العلم والعمل ، واكتساب الفاضلة وطمس الرديّة منها ، إنّما هو بتكرار الأعمال الصالحة ـ المناسبة لها ـ ومزاولتها وممارستها حتّى تثبت العلوم الجزئيّة الحاصلة من الموارد ، وتنتقش في النفس انتقاشا متعذّر الزوال أو متعسّره ، فهي اختيارية باختيارية جزئيات الأعمال والأفعال ، والفعل الاختياري مسبوق بالعلم بالأصلح والخير والنافع ، وهذا العلم الذي ـ هو مبدأ الفعل الاختياري ـ هو الغاية له ، مثاله : أنّ إرادة الانتقام توجب فعل ما يكرهه العدوّ ، فيحصل الانتقام.
إذا عرفت هذا علمت : أنّ هناك لتهذيب الأخلاق مسلكين :
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٧.
(٢). الغيبة للنعماني : ٢٥٠ ، الحديث : ٥.