وسيجيء بيانه إن شاء الله.
وإلى هذا يرجع ما تشاهده من تنوّع كلامه وتفنّنه ، فترى من جانب : أنّه سبحانه يدعو إلى عبادته ومعرفته ، ويأمر وينهى ويرغّب ويرهّب برحمته وعذابه وجنّته وناره ، وترى من جانب آخر : أنّه يحكي عن قول فصل وقضاء حتم وقدر مقدور وأمر مفروغ عنه وأنّه الخالق لكلّ شيء (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١) ولم يبدّل القضاء بلفظ العلم ، ولا استثنى أفعال الإنسان من خلقته ، ولا نفى الاختيار ، ولا أثبت التفويض ، بل ربّما فرّع أحد الوجهين على الآخر كقوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (٢) وكما في هذه الآية : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ).
وبالجملة : فالحقّ ـ كما سيمرّ بك بيانه ـ أنّ مرتبة الاختيار والإمكان متّحدة بوجه مع مرتبة القضاء والقدر ـ التي لا تتغيّر ـ اتّحاد الصورة مع المعنى والظاهر مع الباطن.
واعلم : أنّه قد وردت أخبار كثيرة في أنّ قوله تعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) في أصحاب القائم المهدي ـ عليهالسلام (٣) ـ ، ولعلّ ذلك من باب الجري.
قوله سبحانه : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)
__________________
(١). يس (٣٦) : ٨٢.
(٢). الأعراف (٧) : ١٧٢.
(٣). الكافي ٨ : ٣١٣ ، الحديث : ٤٨٧ ؛ الخرائج والجرائح ٣ : ١١٥٦ ؛ تفسير العيّاشي ٢ : ٥٧.