نبني اجسامنا والمواد التي نأكلها والتي ننتفع بها في حياتنا ـ والاقوات أوسع مما يؤكل في البطون ـ كلها مركبات من العناصر الاصلية التي تحتويها الارض في جوفها وجوها. فهذا كله يشير الى شيء من البركة وتقدير الاقوات في اربعة ايام فقد نما في مراحل زمنية متطاولة (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ..) والاستواء هنا القصد. والقصد من جانب الخالق العظيم. هو توجه الارادة (ثم) قد لا تكون للترتيب الزمني ولكن للارتقاء المعنوي والسماء في الحسّ ارفع وارقى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ). ان هناك اعتقادا انه قبل خلق النجوم كان هناك ما يسمى السديم. وهذا السديم غاز .. دخان (والسدم ـ من نيرة ومعتمة ـ ليس الذي بها من غاز ولا غبار الا ما تبقى من خلق النجوم. ان نظرية الخلق تقول : ان المجرة كانت من غاز وغبار. ومن هذين تكونت بالتكثف النجوم وبقيت لها بقية. ومن هذه البقية كانت السدم ..) (١)
(فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا : أَتَيْنا طائِعِينَ) انها ايماءة عجيبة الى انقياد هذا الكون للناموس والى اتصال حقيقة هذا الكون بخالقه اتصال الطاعة والاستسلام لكلمته ومشيئته. فليس اذن هناك الا هذا الانسان الذي يخضع كرها لناموس الخالق العظيم. وهو ترس صغير جدا في عجلة الكون الهائلة. وكثيرا ما يحاول هذا الانسان الصغير. أن يتفلت وينحرف عن المجرى الآلهي اللين. فيصطدم بالنواميس التي لا بد ان تغلبه ـ وقد تحطمه وتسحقه ـ فيستسلم خاضعا مرغما غير طائع.
الا عباد الله الذين تفتحت قلوبهم لذكر الله. فقذف فيها النور
__________________
(١) كتاب مع الله في السماء.