فالموت أو القتل في سبيل الله بهذا القيد وبهذا السبيل خير من الحياة ، وخير مما يجمعه الناس في هذه الحياة ، وأي متاع خير مما يعقبه مغفرة الله ورحمته ، وهي في ميزان الحقيقة ، خير من الدنيا الفانية أم الآخرة الخالدة وعند هذا الاعتبار تفرح القلوب اذا ختم لها بالشهادة في سبيل الله ، وترى الموت حياة أبدية وثروة خالدة.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤))
البيان : ان السياق يتجه هنا الى رسول الله ص وآله ، وفي نفسه شيء من القوم تحمسوا للخروج ثم ضعفوا أمام اغراء الغنيمة ، ووهنوا أمام اشاعة مقتله ، وانقلبوا على أعقابهم مهزومين وهم لا يلوون على أحد. (فَاعْفُ عَنْهُمْ) وبهذا النص الجازم : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) يقرر الاسلام هذا المبدأ في نظام الحكم. ان التصور الاسلامي يتسم بالتوازن المطلق بين تقرير الفاعلية المطلقة لقدر الله سبحانه ، وتحقق هذا القدر في الحياة الانسانية من خلال نشاط الانسان وفاعليته وعمله.
وهنا في قضية النصر والخذلان بوصفهما نتيجتين للمعركة ـ أي معركة ـ يرد المسلمين الى قدر الله ومشيئته ، ويعلقهم بارادة الله وقدرته : ان ينصرهم الله فلا غالب لهم ، وان يخذلهم فلا ناصر لهم من بعده).