الفكري والحضاري ، مع احتفاظه بمستوى التوجيه الروحي لكل انسان ومناغاته لكل روح وهمسه في «اذن» كل من القى السمع وهو شهيد.
فترك النبي للقرآن الكريم بهذا الترتيب ، كان مقصودا ومتعمدا. للاسباب التي ذكرناها ..
واظن ان الصحابة من بعده احتفظوا بنفس الترتيب ولم يغيروا فيه على اذواقهم .. رعاية للمسات النبي المباشرة في جمع شتات القرآن ..
فبالاضافة الى انه ـ القرآن احتفظ برونقه وانفراده الرائع ، فانه يمكن ان نأخذ ذلك بعين الاعتبار ، ونتأمل ونطرح الاسئلة والاستيضاحات عن الروابط الحقيقية بين وضع الآيات وترتيب مواضيع السور ، واجزاء الآيات والكلمات.
لأن هذا الترتيب الذي قصده الرسول لم يكن عن نفسه ورغبته الذاتية ، وانما كان عن الوحي وعن امر ربه لانه لا ينطق عن الهوى. (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).
لم يكن للرسول اختيار ان يزيد او ينقص حرفا واحدا في كتاب الله من نفسه ..
(لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) ..
ومرة جاء اهل الناصرة الى النبي ، وقدموا له الهدايا والتحف على جمال محملة ذهبا ، ليزيد لهم نقطة واحدة في آية قرآنية ، فيستبدل حرف الباء في الآية (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) بحرف (التاء) ، «فاتوا ان يضيفوهما»
ليرفعوا بذلك العار عن آبائهم الذين زارهم العبد الصالح بصحبة النبي موسى فلم يضيفوهما اهل القرية .. فذكر القرآن عنهم هذه الواقعة.