ولتوضيح المطلب ، وان كان كالبديهي من الوضوح نقول : انه لا ريب في أن النازل من الله تعالى انما هو من مقولة الالفاظ وكيف لا وصفات الذات غير زائدة عن الذات ولا يعقل انفكاكها عن الذات.
واحتجاج الاشعري لمذهبه بان المتكلم من قام به الكلام لا من أوجد الكلام باطل قطعا لان قيام الكلام بالمتكلم قيام صدوري لا حلولي والقيام الصدوري للكلام انما هو عبارة عن ايجاده خارجا كقيام سائر الافعال بالفاعلين حيث انه قيام صدوري وهو متحد حقيقة مع الايجاد ، فلا فرق بين قيام الكلام بالمتكلم وايجاده له بعد ما عرفت من أن قيام المبدأ بفاعله قيام ايجادي ، فكلام الله فعل من أفعاله ، ولذا ترى التعبير عن القرآن في القرآن بالنزول والذكر والوحي والبرهان والكتاب والفرقان والقرآن ، وكل تلك الالفاظ دالة على كون القرآن من مقولة الالفاظ لا الصفات ، وأما معاني القرآن فهي منبعثة عن علم الله تعالى بالاصلح الذي هو عين ذاته ، وبالجملة فالقرآن عبارة عن الالفاظ الدالة على المعاني وليس هو صفة وليس بالفاظ فقط بل هي ألفاظ مع المعاني.
الثالث : قد يتوهم من استلزام علم الباري بعواقب الامور ومن ورود النص بأنه قد جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة عدم تأثير لاي فعل من الافعال الاختيارية في الحوادث وقلبها ، ويزول هذا التوهم بالدقة في أن الافعال الاختيارية خيرا او شرا انما هي بعض من المؤثرات التكوينية في الحوادث من الصحة والمرض والفقر والغنى وطول العمر وقصره وخير ذلك ، وكل ذلك مندرج تحت سنة الله التكوينية ، فالمقتضيات التكوينية بفعل الله التكويني وخلقه انما تؤثر آثارها وتسبب مقتضياتها وتصل الى حد العلة التامة اذا وجدت شرائطها التي منها أفعال العباد بجعل تشريعي من الله لاحكامها وجعل تكويني لاثارها ، فاقدة للموانع التي منها أفعال العباد كما في الشرائط ، فاذا كان لطبيعة الانسان اقتضاء أن يعيش مائة سنة وكان من شرطها صلة الرحم أو كان المانع عن اقتضائها الزنا فلم يوجد