ونظروا اليه نظرة اعجاب وحيرة ، اذ القرآن ليس بمنظوم ولا منثور وليس خارجا عنهما ايضا ، ولذا اخذوه برغبة تامة وحفظ شامل وبوعي كامل.
ثم ان القرآن تحدى المرتابين في كونه كلام رب العالمين بالاتيان بمثله او بسورة من مثله فلم يقدر احد على مباراته ومعارضته. بل قد قد نقل بان جمعا من المكابرين والمخالفين حاولوا ذلك ، فرجعوا بخفى حنين حينما وصلوا الى قوله تعالى (١) : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ ..) الاية او الى قوله تعالى (٢) .. (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ..) الاية .. وندموا على هذه المحاولة الفاشلة ، وقد يقال بأنهم عارضوا قوله تعالى (٣) :
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ)، بقولهم : القتل انفى للقتل ، وقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، بقولهم : دنت الساعة وانشق القمر ، فكان ذلك الكلام المعجز والاسلوب الخارج عن نطاق قدرة اللسان البشري سببا لحفظ القرآن وانتقاشه في الصدور وكثرة لحفاظ له والمعتنين بقراءته وتجويده ، واما القراء السبعة والاربعة عشر فهم الذين تفوقوا على الجميع في شؤون القرآن ، فجمع كل واحد منهم القرآن بجمع استحسنه من دون رعاية الترتيب وعلى اختلاف في كيفية الضبط وربما في القراءة في مثل : ملك او مالك ، او مسكنهم ومساكنهم كفوا او كفؤا ، او الصراط والسراط ، مما لا يعد اختلافا في عد الاية ومادتها ، ولما وصلت السلطة الى عثمان جمع المصاحف وروج مصحفه من دون دلالة هذا العمل على الاختلاف في الايات ، وعلى ضوء الحافظة العمومية من العرب ـ مشركين كانوا ام مسلمين ـ وعلى حسب
__________________
(١) طه الآية ٣٩
(٢) هود الآية ٤٤.
(٣) البقرة الاية ١٧٩.
(٤) القمر الآية ٢.