وبالجملة : فالوضوء من جهة ثبوت البدل له لا يزاحم محرّما ، مع أنّ القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعيّة في الواجب لأجل تحصيل الموافقة القطعيّة في الحرام ،
______________________________________________________
فانّه يجب البقاء عند ذلك الشيء الذي لا بدل له.
مثلا : إذا قال المولى : أطعم مسكينا وإذا لم يكن لك طعام فأعطه دينارا ، وقال أيضا : صل رحمك ، ثم دار الأمر بين الاطعام وصلة الرّحم ، يبقى صلة الرحم على وجوبه ، لانّه لا بدل له ، ويتنزل من وجوب الاطعام الى وجوب بدله وهو : اعطاء الدينار ، إذ في ذلك جمع بين الأمرين : أصل وبدل ، بينما إذا أطعم لم يتمكن من صلة الرحم ، ولا بدل لصلة الرحم ، فلم يبق إلّا احد التكليفين.
(وبالجملة : فالوضوء من جهة ثبوت البدل له ، لا يزاحم محرّما) ولذلك يقدّم الحرمة عليه ، لكن تقديم الحرمة هنا لثبوت البدل للواجب ، وهو لا يدل على تقديم الحرمة فيما لا بدل له ، فالقياس عليه قياس مع الفارق.
الوجه الثالث لرد الاستدلال بالإناءين ما اشار اليه بقوله : (مع أنّ القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعيّة في الواجب ، لأجل تحصيل الموافقة القطعيّة في الحرام) فانّ تغليب جانب الحرام انّما هو فيما اذا كان هناك شيء واحد محتمل التحريم وغير التحريم ، فالحرام فيه يقدّم على غيره للموافقة الاحتمالية ما في مثل الإناءين ، فهناك شيئان ـ لا شيء واحد ـ والشيئان عبارة عن الحرام القطعي : وهو الوضوء بالنجس ، والواجب القطعي وهو الوضوء بالطاهر ، وترك الوضوء في المثال ليس من جهة تغليب الحرام ، لأن تغليب الحرام هنا غير جائز لما يستلزم من المخالفة القطعية للواجب القطعي ، بل تقديم ترك الوضوء هنا من جهة النص الخاص باهراقهما والتيمم.