المبحث السادس
المعاني المجازية في سورة «الزّلزلة» (١)
في قوله سبحانه : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٥) استعارتان إحداهما قوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٢). والأثقال ، هنا ، كناية عن الأموات ، لأنّهم كانوا ثقلا على ظهر الأرض في حال الحياة. أجري عليهم هذا الاسم لهم ، عند حصولهم في بطونها بعد الوفاة ، أو يكونون إنّما سمّوا أثقالا ، لأنّهم في بطن الأرض بمنزلة الأجنّة في بطون الأمّهات ، وإذا جاز أن يسمّى الجنين حملا ، جاز أن يسمى ثقلا ، لأنّ المعنى واحد ؛ قال تعالى : (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) [الأعراف : ١٨٩] أي صار ما في بطنها من الجنين ثقلا لها. قالت الخنساء (٢) :
أبعد ابن عمرو من ال الشّريد |
|
حلّت به الأرض أثقالها |
أي زيّنت به موتاها. وقال أبو عبيدة إذا كان الميّت في بطن الأرض ، فهو ثقل لها ، وإذا كانت فوقه فهو ثقل عليها ، فتسمية الأموات بالأثقال تكون على أحد هذين الوجهين : وإمّا أن تكون هي المثقلة به ، وأمّا أن يكون هو المثقل بها. وقال غيره : معنى قوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (٢)
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). (٥٧٥ ـ ٦٤٤) الخنساء من أعظم شواعر العرب ، شاعرة مخضرمة ، أدركت الإسلام فأسلمت ، وحسن إسلامها. قتل أخواها معاوية وصخر في الجاهليّة فرثتهما محرّضة قومها على الأخذ بالثأر. لها ديوان أكثره في الرثاء ، شرحه ابن السّكّيت وابن الأعرابي والثعالبي. طبع في بيروت (١٨٨٨).