والبومة تستطيع أن ترى الفأر الدافئ اللطيف ، وهو يجري على العشب البارد مهما تكن ظلمة الليل ، ونحن نقلب الليل نهارا بإحداث إشعاع في تلك المجموعة التي نسمّيها الضوء».
«والكلب بما أوتي من أنف فضولي ، يستطيع أن يحس الحيوان الذي مرّ».
«وسمك (السلمون) يمضي سنوات في البحر ، ثم يعود إلى نهره الخاص به ، والأكثر من ذلك أنّه يصعد إلى جانب النهر الذي يصبّ عنده النّهير الذي ولد فيه. فما الذي يجعل السمك يرجع الى مكان مولده بهذا التحديد؟».
إنه الله (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣).
وقد سجل البشر كثيرا من إبداع الخلقة ، في عوالم النبات والحشرات والطيور والحيوان ، في هذا الوجود المشهود الذي لا نعرف عنه إلا أقلّ القليل ، ووراءه عالم الغيب بما فيه من كمال وجلال ؛ فسبحان الله الخلاق العظيم.
(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) (٤) والمرعى كلّ نبات ، وما من نبات إلّا وهو صالح لخلق من خلق الله. فهو هنا أشمل ممّا نعهده من مرعى أنعامنا ، فالله خلق هذه الأرض ، وقدّر فيها أقواتها لكلّ حيّ يدب فوق ظهرها أو يختبئ في جوفها ، أو يطير في جوّها ، والنبات يتحايل على استخدام وكلاء لمواصلة وجوده ، دونما رغبة من جانبهم ، كالحشرات التي تحمل اللّقاح من زهرة الى أخرى ، والرياح ، وكل شيء يطير أو يمشي ، ليوزّع بدوره.
(فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥) والغثاء هو الهشيم ، أو الهالك البالي ، والأحوى : الذي يميل لونه إلى السواد ، فهو سبحانه قد أحكم كل شيء خلقه ، ما يبقى وما يفنى.
«فنحن مأمورون أن نعرف الله جل شأنه ، بأنه القادر العالم الحكيم ، الذي شهدت بصفاته هذه آثاره في خلقه ، التي ذكرها في وصف نفسه بقوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (٢) إلخ ، وأن لا ندخل في هذه الصفات معنى ممّا لا يليق به ، كما أدخل الملحدون الذين اتّخذوا من دونه شركاء أو عرفوه بما يشبه به خلقه ؛ وإنّما توجّه إلينا الأمر بتسبيح الاسم ، دون تسبيح الذات ، ليرشدنا الى أن مبلغ جهدنا ، ومنتهى ما تصل إليه عقولنا ، أن نعرف الصفات