المجرمين من المؤمنين ، وقد يكون لنزولها سبب خاص ، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ ففي الآيات تعبير واقعي عن سخرية القويّ الفاجر من المؤمن الصابر ، ممّا يدل على أن طبيعة الفجّار المجرمين واحدة ، متشابهة ، في موقفها من الأبرار ، في جميع البيئات والعصور.
يقول الإمام محمد عبده : «من شأن القويّ المستعز بكثرة أتباعه وقدرته ، أن يضحك ممن يخالفه في المنزع ، ويدعوه إلى غير ما يعرفه وهو أضعف منه قوّة وأقلّ عددا ؛ كذلك كان شأن جماعة من قريش ، كأبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأتباعهم ؛ وهكذا يكون شأن أمثالهم في كلّ زمان متى عمّت البدع ، وتفرّقت الشيع ، وخفي طريق الحق بين طرق الباطل ، وجهل معنى الدين ، وأزهقت روحه من عباراته وأساليبه ، ولم يبق الا ظواهر لا تطابقها البواطن» (١).
[الآيات ٣٤ ـ ٣٦] : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (٣٤) أي في يوم القيامة ؛ والكفّار محجوبون عن ربهم ، يقاسون ألم هذا الحجاب ؛ يضحك المؤمنون ، ضحك من وصل به يقينه الى مشاهدة الحق ، فسرّ به ؛ وينكشف للمؤمنين ما كانوا يرجون من إكرام الله لهم ، وخذلان أعدائهم ، (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) (٣٥) وهمّ على سررهم في الجنة ينظرون إلى صنع الله بأعدائهم ، وإذلاله لمن كان يفخر عليهم ، وتنكيله بمن كان يهزأ بهم ، جزاء وفاقا. (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٣٦)؟ أي أنهم ينظرون ليتحقّقوا : هل جوزي الكفّار ، بما كانوا يفعلون بهم في الدنيا ؛ وإنما سمّي الجزاء على العمل ثوابا ، لأنه يرجع الى صاحبه نظير ما عمل من خير أو شر.
و (ثوّب) مثل أثاب ، بمعنى جازى ، يقع في الخير وفي الشر ، وإن كان قد غلب الثواب في الخير. أي هل جوزي الكفّار بما كانوا يفعلون؟
مقاصد السورة
١ ـ وعيد المطفّفين.
__________________
(١). تفسير جزء عمّ ، للأستاذ الإمام محمد عبده ، الطبعة السادسة ، مطابع الشعب ، ص ٣٧.