الجبال ، وتجري فيه الأنهار ، وينمو فيه صنوف النبات ؛ والمطر ينزل فيبعث البركة والنماء ، وينبت الحب والنخيل والأعناب ، ويبعث الحياة في الزرع والأرض ؛ وبمثل هذه القدرة العالية يحيي الله الموتى ويبعثهم من قبورهم ، بعد جمع ما تفرّق من أجزائهم الأصلية [الآيات ٦ ـ ١١]. ويلفت القرآن النظر الى عبرة التاريخ ، ويذكّر الناس بما أصاب قوم نوح من الغرق ، وما أصاب المكذّبين من الوعيد والهلاك ، ومنهم أصحاب الرّسّ (والرّسّ هي البئر) ؛ وأصحاب الرّسّ بقية من ثمود ، كانت لهم بئر فكذبوا نبيّهم ودسّوه في البئر ؛ وأصحاب الأيكة : وهم قوم شعيب (ع) ، والأيكة : الغيضة ، وهي الشجر الملتفّ الكثيف.
وقوم تبّع ، وتبّع لقب لملوك حمير باليمن.
إنّ هؤلاء الأقوام أنكروا الرسالة الإلهية ، وكذّبوا رسل الله إليهم ، فاستحقّوا عذاب السماء ، وهذا العذاب يصيب كلّ مكذّب بالله وأنبيائه [الآيات ١٢ ـ ١٥].
رقابة الله جلّ وعلا
خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وصانع الآلة أدرى بتركيبها وأسرارها ، فهو سبحانه عليم بخفايا الصدور ، مطّلع على هواجس النفوس ، قريب من عباده لا يغيب عنهم أينما كانوا ، ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ؛ وهناك ملائكة تسجّل أعمال العباد وتفوض حقيقة المراد منها الى الله تعالى. ولقد عرفنا نحن البشر وسائل للتسجيل ، تسجل الحركة والنبرة ، كالأشرطة الناطقة وأشرطة السينما والتلفزيون ، فليس ببعيد على الله أن يجعل من ملائكته شهود عيان ، يحصون على الإنسان أقواله وأفعاله ، بالحق والعدل : (كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١٢) [الانفطار].
مشاهد القيامة
تحدّثت السورة عن البعث والحشر ، ولفت الأنظار إلى آثار الله سبحانه في الآفاق ، وإلى سننه جلّ وعلا في التاريخ ، والى عجيب صنعه في حنايا البشرية. ومن إعجاز القرآن : أنه ينتقل بالمشاهد من الماضي إلى الحاضر ، ويلوّن في أسلوب العرض ، ويعرّض