وقوله سبحانه : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)).
وهذه استعارة. والمراد نخرج منه النّهار ، ونستقصي تخليص أجزائه ، حتّى لا يبقى من ضوء النهار شيء مع ظلمة الليل ، فإذا النّاس قد دخلوا في الظلام. وهذا معنى قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) كما يقال : أفجروا ، إذا دخلوا في الفجر ، وأنجدوا ، وأتهموا ، إذا دخلوا نجدا وتهامة.
والسّلخ : إخراج الشيء ممّا لابسه ، والتحم به. فكلّ واحد من اللّيل والنّهار ، متّصل بصاحبه اتّصال الملابس بأبدانها ، والجلود بحيوانها. ففي تخليص أحدهما من الاخر ، حتّى لا يبقى معه منه طرف ، ولا عليه منه أثر ، آية باهرة ، ودلالة ظاهرة. فسبحان الله ربّ العالمين.
وقوله سبحانه في ذكر البعث : (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)) وهذه استعارة. لأن المرقد هاهنا عبارة عن الممات ، فشبّهوا حال موتهم بحال نومهم ، لأنها أشبه الأشياء بها. وكذلك قوة شبه حال الاستيقاظ بحال الأحياء والإنشار ، وعلى ذلك قوله (ص) : «إنّكم تموتون كما تنامون ، وتبعثون كما تستيقظون» (١). وقال بعضهم : الاستعارة هاهنا أبلغ من الحقيقة. لأنّ النوم أكثر من الموت ، والاستيقاظ أكثر من الإحياء بعد الموت. لأن الإنسان الواحد يتكرّر عليه النوم واليقظة مرات ، وليس كذلك حال الموت والحياة.
وقوله سبحانه : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)). وهذه استعارة. والمراد بالطّمس هاهنا : إذهاب نور الأبصار حتّى يبطل إدراكها ، تشبيها بطمس حروف الكتاب ، حتّى تشكل قراءتها.
وفيه أيضا زيادة معنى ، لأنه يدلّ على محو آثار عيونهم ، مع إذهاب أبصارها ، وكسف أنوارها. وقيل معنى الطّمس إلحام الشّقوق الّتي بين الأجفان حتّى تكون مبهمة ، لا شقّ فيها ، ولا
__________________
(١). هذا الحديث من خطبة له (ص) ، وهي أوّل خطبة بمكّة حينما دعا قومه إلى الإسلام. وهي في كتاب «جمهرة خطب العرب» ج ١ ص ٥١. وقد نقلها عن «السيرة الحلبية» ج ١ ص ٢٧٢ ، وعن «الكامل» لابن الأثير ج ٢ ص ٢٧.