وقد تعدّدت أقوال المفسّرين في بيان القوم الذين سلّطهم الله على اليهود ، وذهب جمهور المفسرين إلى أن المسلّط عليهم في المرة الأولى هو بختنصر البابلي ، وقد غزاهم سنة ٦٠٦ قبل الميلاد ، ثم ساعدهم قورش ملك الفرس سنة ٥٢٦ قبل الميلاد ، فعادوا لبلادهم وأعادوا بناء هيكلهم.
والمسلّط عليهم في المرة الثانية هم الرومان بقيادة تيطس سنة ٧٠ م ، وقد كان إذلالهم في المرة الثانية أشدّ وأنكى ، وقد تفرّق اليهود في البلاد بعد هزيمتهم الثانية ، وأصبح تاريخهم ملحقا بتاريخ الممالك التي نزلوا فيها ، ولم يرجع اليهود إلى فلسطين إلا في العصر الحديث.
وينبغي أن ندرك أن آيات سورة الإسراء ، لا تحدّد تاريخا معيّنا لفساد اليهود ، ولا قوما بأعيانهم سلّطهم الله عليهم ، فإذا أردنا معرفة ذلك فلنرجع إلى التاريخ ، لا لنحكّمه في فهم القرآن ، ولكن لنستأنس به فقط.
وخلاصة الآيات التي تحدثت عن فساد اليهود ما يأتي :
١ ـ أخبر الله تعالى أن بني إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين ، وهذا الفساد معناه طغيان وعدوان منهم على عباد الله ، وخروجهم على الطريق القويم.
٢ ـ أخبر الله تعالى عنهم أنهم لمّا طغوا وبغوا ، سلّط الله عليهم من ينتقم منهم.
٣ ـ بعد الانتقام الأول ، عادوا إلى الطريق الجادّة فانتصروا على أعدائهم ، لكنّهم لم يلبثوا أن عادوا للفساد ، فحقّ عليهم وعيد الله تعالى.
٤ ـ سلّط الله سبحانه ، عليهم في المرة الثانية ، من أذلّهم وهدم هيكلهم ، وقضى عليهم وعلى ملكهم.
٥ ـ ذكر الله تعالى ، أنه يشملهم برحمته إذا تابوا إليه ، فإن عادوا للفساد عاد عليهم بالعقاب.
وقد عنيت سورة الإسراء ، بالحديث عن مكارم الأخلاق.
فدعت إلى توحيد الله جلّ جلاله ، وأمرت بالإحسان إلى الوالدين ، وصلة الرحم ، والعطف على الفقير والمساكين وابن السبيل ؛ ونهت عن التبذير ، والقتل ، والزنا ، وتطفيف الكيل ، وأكل مال اليتيم ، والكبر ، والبطر. وإذا قرأت الآيات ٢٣ ـ ٣٩ ، رأيت دستورا أخلاقيا كريما ، يأمر بالفضائل ، ويحثّ