قلنا ليس في «يستطيعون» ضمير مفعول هو الرزق ، بل الاستطاعة منفية عنهم مطلقا ، معناه لا يملكون أن يرزقوا ، ولا استطاعة لهم أصلا في رزق أو غيره ، لأنهم جماد. الثاني : أنه لو قدّر فيه ضمير مفعول على معنى ولا يستطيعونه ، كان مفيدا أيضا ، على اعتبار كون الرزق اسما للعين ، لأن الإنسان يجوز أن يملك الشيء ، ولكن يستطيع أن يملكه ، بخلاف هؤلاء ، فإنهم لا يملكون ، ولا يستطيعون أن يملكوا.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى (مَمْلُوكاً) [الآية ٧٥] بعد قوله تعالى : (عَبْداً) وما الحكمة في قوله سبحانه (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) بعد قوله تعالى (مَمْلُوكاً)؟
قلنا : لفظ العبد يصلح للحرّ والمملوك ، لأن الكل عبيد الله تعالى ، قال الله تعالى : (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص : ٣٠] فقال «مملوكا» لتمييزه من الحرّ ، وقال (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) لتمييزه من المأذون والمكاتب ، فإنّهما يقدران على التصرّف والاستقلال.
فإن قيل : المضروب به المثل اثنان ، وهما المملوك والمرزوق رزقا حسنا ، فظاهره أن يقال هل يستويان ، فلم قال تعالى : (يَسْتَوُونَ) [الآية ٧٥]؟
قلنا : لأنه أراد جنس المماليك وجنس المالكين ، لا مملوكا ولا مالكا معيّنا. الثاني : أنه أجرى الاثنين مجرى الجمع. الثالث : أن «من» تقع على الجمع ، ولقائل أن يقول على الوجه الثالث : يلزم منه أن يصير المعنى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ، وجماعة مالكين هل يستوون ، إنه لا يحسن مقابلة الفرد بالجمع في التمثيل.
فإن قيل : «أو» في الخير للشكّ ، والشك على الله تعالى محال ، فما معنى قوله تعالى : (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) [الآية ٧٧]؟
قلنا : قيل «أو» هنا بمعنى «بل» كما في قوله تعالى (إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١٤٧) [الصافات]. وقوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤] وقوله تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) [النّجم] ؛ ويرد على هذا أن «بل» للإضراب ، والإضراب رجوع عن الإخبار ، وهو على الله محال. وقيل هي بمعنى الواو في هذه الآيات. وقيل «أو» للشك في الكلّ ،