ألا إنّما أبكي ليوم لقيته |
|
بجر ثم صاد كلّ ما بعده جلل |
أي : صغير.
وأما قوله تعالى (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [الآية ٢٠٧] فإن انتصاب (ابتغاء) على الفعل ، وهو على يشري ، كأنه قال «لابتغاء مرضاة الله» فلمّا نزع اللام ، عمل الفعل. ومثله (حَذَرَ الْمَوْتِ) [الآية ٢٤٣] وأشباه هذا كثير. قال الشاعر (١) [من الطويل وهو الشاهد الأربعون بعد المائة] :
وأغفر عوراء الكريم ادّخاره |
|
وأعرض عن شتم اللئيم تكرّما |
لما حذف اللّام عمل فيه الفعل.
وقال تعالى (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [الآية ٢٠٨] و «السّلم» : الإسلام. وقوله تعالى (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) [محمد : ٣٥] ذلك : الصلح. وقال بعضهم في «الصلح» : «السّلم. وقال تعالى (وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) [النساء : ٩١] وهو الاستسلام. وقال تعالى (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦٣) [الفرقان] أي : قالوا «براءة منكم» لأنّ «السّلام» في بعض الكلام هو : البراءة. تقول : «إنّما فلان سلام بسلام» أي : لا يخالط أحدا. قال الشاعر (٢) [من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة] :
سلامك ربّنا في كلّ فجر |
|
بريئا ما تغنّثك (٣) الذّموم |
يعني تأوّبك ، يقول : «براءتك».
وقال تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) [الذاريات : ٢٥] وهذا فيما يزعم المفسّرون : قالوا خيرا. كأنه ـ والله أعلم ـ سمع منهم التوحيد ، فقد قالوا خيرا ، فلما عرف أنهم موحّدون قال : «سلام عليكم» ، فسلّم عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء. وقال بعضهم : «ما كان من كلام الملائكة فهو نصب ، وما كان من الإنسان فهو رفع في السلام». وهذا ضعيف ليس بحجّة ؛ وقال تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ
__________________
(١). هو حاتم الطائي مضرب المثل بالكرم ديوانه ٨٢. الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٨٤ ، والنوادر ١١٠.
(٢). هو أميّة بن أبي الصّلت ديوانه ٢٣٨ ، والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٦٤.
(٣). وجاء في الهامش : «قال أبو عبد الله» : سألت أبا العبّاس أحمد بن يحيى فقال : «تغنثك» : يلزق بك. هذا البيت عن ابن الاعرابي.