وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)) ما قد يؤيد القول الثاني.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن اليهود لما كفروا بالنبي صلىاللهعليهوسلم وجحدوا رسالته قال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء : اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ونحن أهل شرك وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا.
فقال سلام بن مشكم من بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله الآية : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ...) وعلى كل حال فإن الآية تقرر بصراحة أنه قد جاءهم ما عرفوا أنه الحق فكفروا به وأن الآية التالية لها تقرر أن ذلك إنما كان حسدا وبغيا وغيظا فاستحقوا الحملة العنيفة التي احتوتها الآيات.
وآيات الحلقة بنوع خاص تدعم ما شرحناه من أسباب تنكر اليهود للدعوة المحمدية حيث كبر عليهم أن يبعث الله نبيا من غيرهم فيدعوهم إلى الانضواء إليه ويهدد بحركته ما كان لهم من مراكز ومصالح. ولقد روى الطبري عن أهل التأويل أن جملة (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) تنطوي على الإشارة إلى ما كان من كفرهم بالمسيح والإنجيل ثم بمحمد والقرآن فاستحقوا بذلك غضب الله المضاعف. وأن جملة : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) عنت ما كان من كفرهم بالإنجيل ثم بالقرآن. وإن جملة : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) عنت ما كان من مخالفتهم لما أنزل إليهم وقتلهم أنبياءهم الذين كانوا يبلغونهم أوامر الله. وأن التحدي بتمني الموت الذي أمر الله النبي بتوجيهه إليهم هو جواب على تبجحهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم الذين اختصهم الله بالجنة يوم القيامة ، وجميع هذه التأويلات واردة وسديدة.
وبعض آيات الحلقة تلهم أنها تتضمن حكاية مواقف حجاجية كانت تحدث من النبي واليهود قبل نزولها فتضمنت الآيات الإشارة إليها بسبيل الرد عليهم والتنديد بهم وتحديهم.