قرئت كلمة (درست) بفتح السين وتسكين التاء من الدروس أي بمعنى (حتى يقولوا إن ما تتلوه قديم دارس من أساطير الأولين). والجمهور على أن كلمة (درست) من الدرس لا من الدروس. وقد خطر لنا تأويل آخر نرجو أن يكون هو الصواب وهو (حتى يقولوا كفاك فقد بلغت وقرأت وكررت وبينت فدع الناس فيؤمن من يبصر ما فيه من هدى ويكفر من عمي قلبه) وقد استلهمنا هذا من الجملة السابقة للجملة وهي (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) فالله يقلب وجوه الكلام ويأمر النبي صلىاللهعليهوسلم تبليغه للناس حتى يقولوا كفى فقد بلغت. وفي أسس البلاغة للزمخشري (درست الكتاب) كررت قراءته للحفظ.
وجملة (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ليست بمعنى أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بتركهم بدون تبليغ ، فهذا من مهمته الأصلية وإنما هي بمعنى الأمر بعدم الاهتمام بموقفهم.
وهذا ما تكرر بأساليب عديدة سبقت أمثلة منها في السور التي سبق تفسيرها. ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن الجملة نسخت بآيات القتال. وهذا إنما يصح إذا رافق مواقف المشركين بعد الهجرة طعن في الإسلام وأذى للمسلمين وحسب على ما شرحناه في مناسبات سابقة.
هذا ، ونظم الآية الأولى يوهم أن الكلام هو كلام النبي مباشرة ومثل هذا قد تكرر ومرّت أمثلة منه في سور سبق تفسيرها. وقد علقنا على ذلك في سياق الآيات الأولى من سورة هود تعليقا ينسحب على هذه الآية. ومع ذلك فإنه يلحظ أن الآية الثانية احتوت كلاما ربانيا مباشرا في مخاطبة النبي صلىاللهعليهوسلم مما ينطوي فيه كون الكلام الأول هو إيعاز رباني بأن يقول ذلك.
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)) [١٠٨]
(١) عدوا : بغيا وتجاوزا لحدود الأدب.