قال : يا أبا ذر إياك والغيبة فإن الغيبة أشدّ من الزّنى. قلت يا رسول الله ولم ذاك فداك أبي وأمّي؟ قال لأن الرجل يزني فيتوب فيقبل الله توبته ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها. وفي جامع الجوامع روي أن أبا بكر وعمر بعثا سلمان إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ليأتى لهما بطعام فبعثه إلى أسامة بن زيد وكان خازن رسول الله على رحله فقال : ما عندي شيء. فعاد إليهما فقالا : بخل أسامة ، ولو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها. ثم انطلقا إلى رسول الله فقال ما لي أرى حمرة اللّحم في أفواهكما؟ قالا : يا رسول الله ما تناولنا اليوم لحما قال : ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) في هذا الكلام تمثيل الاغتياب بأفضح مثال وأشدّه من حيث اشمئزاز الطبع ونفرته ، وفيه مبالغات : تقرير الاستفهام ، محبّة المكروه ، وإسناد الفعل إلى «أحد» إشعارا بأن لا أحد يحبّه ، تمثيل الاغتياب بأكل لحم للإنسان ، عدم الاقتصار بهذا وضمّ الموت بذلك وكونه أخا ، الأمر بالاتّقاء بعد هذه كلّها. وهذه الأمور بأجمعها تدل على حرمة الغيبة بأشد ما تكون. وفي قوله تعالى (فَكَرِهْتُمُوهُ) جملة متضمّنة للشرط ، أي لو عرض عليكم ذلك لكرهتموه بحكم العقل والطبع ، فاكرهوا ما هو نظيره فإن نظيره وإن كان الطبع يميل إليه لأنه لا يدرك إلّا الكراهة المحسوسة ، والأمور المكروهة الحسيّة في نظر الشرع والعقل أشدّ من كراهة أكل لحم الإنسان الميّت ، لأن المفاسد الّتي تترتب على النّظير لا تترتّب على المشبّه به أبدا كما لا يخفى على أهل العلم والبصيرة (وَاتَّقُوا اللهَ) أي بترك الغيبة بل وسائر المعاصي (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) تقديم التّواب على الرّحيم لأنّه بمقتضى طبع المقام أنه سبحانه أولا يغفر للعبد معاصيه ، وبعدها يتفضّل عليه برحمته الخاصّة وأما كونه توّابا فلكثرة العاصين التائبين إليه تعالى أو لكثرة ذنوب المذنبين أو إشارة إلى قلع ذنوبهم جميعا بحيث كأنه ما صدرت عنهم خطيئة أو اثم والله أعلم.