والثاني فضل النبوّة ، والثالث فضل الأصالة لأنّ حواء خلق منه ، فهي من فروعه ، والرابع أن الله تعالى أضاف خلقة آدم إلى نفسه المقدّسة مباشرة وخصّه بتلك الفضيلة من بين جميع الموجودات من الذّرة إلى الدّرة.
وقيل إن الإتيان بكلمة (ثُمَ) التي تفيد الإمهال والتأخّر للإشارة إلى التأخّر في الإيجاد لا في الوجود فقط فإنه تعالى بعد خلق آدم خلق ذرّيته في ظهره ، وبعد ذلك خلق حواء منه عليهماالسلام. ولا يخفى أن الفرق بين القولين اعتباريّ كما أنّ الفرق بين الإيجاد والوجود اعتباريّ محض ، وإلّا فكلّ واحد ملازم للآخر ولا فرق بينهما إلّا بالاضافة. نعم هناك فرق هو أن الأوّل يقول بتأخّرها عنه بمرتبة واحدة ، والثاني يقول بأنّ الإمهال بمرتبتين ، ولعلّ مرادهما هو هذا ، فالفرق ليس محض اعتبار ولمّا كان إبداع الأبدان وإفاضة الرّوح فيها من أعظم النّعم ، قدّمه على غيره ، وبعده أخذ في ذكر النعم الأخر فقال جلّ وعلا : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أي من الإبل والبقر والضّأن والمعز ، من كلّ واحد من الأصناف الأربعة ذكرا وأنثى فتمّت الثمانية. وإيثار الإنزال على الإبداع والخلق تنبيه على أنّ نشوء الأنعام بالنّبات وتنمية النّبات وأثمارها بالمطر الذي هو سبب له ، فالتسمية من باب تسمية المسبّب باسم سببه. ونظيره قوله سبحانه (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) فإن إنزال المطر سبب لحصول القطن الذي هو مأخوذ للباس نوع البشر ولا سيما في عصر نزول القرآن. واللباس المأخوذ من غير القطن من الصّوف وغيره مأخوذه أيضا يؤول إلى ما يحتاج إلى ماء المطر كالحيوان الذي أشرنا آنفا باحتياجه إليه. وبعضهم يقول إن وجه الإيثار هو إن الله سبحانه أرسل الأصناف الثمانية من الجنّة إلى الأرض ، فالإنزال كان بمعناه الحقيقي. ثم أخذ تعالى في تفصيل خلق الإنسان وسائر الحيوان كالأنعام وأشباهه فقال : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أي بدء تكوّنكم فيها (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) أي نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ثم