كُفُّوا عَنِ النَّاسِ ، وَلَا يَقُولُ (١) أَحَدٌ (٢) : عَمِّي وَ (٣) أَخِي وَابْنُ عَمِّي وَجَارِي (٤) ؛ فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً ، طَيَّبَ رُوحَهُ ، فَلَا يَسْمَعُ مَعْرُوفاً (٥) إِلاَّ عَرَفَهُ ، وَلَا مُنْكَراً (٦) إِلاَّ أَنْكَرَهُ ، ثُمَّ يَقْذِفُ اللهُ فِي قَلْبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أَمْرَهُ » (٧). (٨)
__________________
(١) في حاشية « ف » والمحاسن : « لا يقل ». وهو الأنسب.
(٢) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ والمحاسن : « أحدكم ».
(٣) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ والمحاسن : ـ « عمّيو ».
(٤) أي هذا عمّي وأخي وابن عمّي وجاري وقعوا في الضلالة فيلزمني هدايتهم ، أي فتبعثهم الحميّة والغيرة العصبيّة على أن يُنجيهم منها طوعاً وكرهاً ؛ يعني : لا يتأسّف على ضلال أقربائه وجيرانه. انظر : شرح المازندراني ، ج ٥ ، ص ٨٦ ؛ الوافي ، ج ١ ، ص ٥٦١ ؛ مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ٢٤٨.
(٥) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ : « بمعروف ».
(٦) في الكافي ، ح ٢٢٢٧ : « ولا بمنكر ».
(٧) قال العلاّمة الطباطبائي : « مسألة أنّ « الهداية لله ، وليس للناس فيها صنع » ممّا ثبتت بالنقل والعقل ، وإن كان مستبعداً في بادئ النظر جدّاً ، فاستمع لما يتلى :
المعارف الإلهيّة العالية كالتوحيد والنبوّة والإمامة ونظائرها ممّا لا يكفي فيها مجرّد العلم واليقين كما قال تعالى : (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) الآية [ النمل (٢٧) : ١٤ ] ، وقال تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) الآية [ الجاثية (٤٥) : ٢٣ ] ، بل يحتاج مع العلم النظري إلى الإيمان بها ، وهو مطاوعة نفسانيّة ، وانفعال قلبيّ خاصّ يوجب الجريان في الجملة بالأعمال المناسبة للعلم المفروض ، وكما أنّ العلوم النظريّة معلومة للأنظار والأفكار الصحيحة المنتجة ، كذلك هذا الأذعان والقبول القلبي معلول لملكات أو أحوال قلبيّة مناسبة له ، فلا يمكن للبخيل الذي فيه ملكة راسخة من البخل أن يؤمن بحسن السخاء وبذل المال ، إلاّ إذا حصل في نفسه من جهة حسن التربية وتراكم العمل حالة الانقياد والقبول ، بحسن السخاء والجود ، بزوال الصورة المباينة من البخل ؛ فالاستدلال للحقّ إنّما يوجب ظهوره على من كان صحيح النظر ، وأمّا إيمانه به وانقياده له فله سبب تكويني ، هو حصول الحالة أو الملكة النفسانيّة الملائمة لحصوله ، وليس مستنداً إلى اختيار الإنسان حتّى يوجد في نفسه أو في نفس غيره الانقياد والإيمان بالحقّ من دون سببه التكويني وهو الهيئة النفسانيّة المذكورة ، فثبت أنّ للإيمان والاهتداء وغير ذلك سبباً تكوينيّاً غير إرادة الإنسان واختياره ، وهو مجموع النظر الصحيح والهيئة النفسانيّة الملائمة الغير المنافية للحقّ ، فهو منسوب إلى الله سبحانه دون اختيار الإنسان على حدّ سائر الأمور التكوينيّة المنسوبة إليه تعالى.
ولذلك كانت الروايات تنسب الإيمان والكفر والهداية والضلال إلى الله سبحانه وتنفي كونها باختيار الإنسان وتنهى عن الإصرار في القبول والمراء والجدال في الدعوة إلى الحقّ كما يدلّ عليه قوله في رواية عقبة الآتية : « ولاتخاصموا الناس لدينكم ؛ فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب » الحديث ؛ فإنّها تثير عوامل العصبيّة والإباء عن الحقّ ، وأمّا ما ورد في الكتاب والسنّة من الأوامر بحسن التربية والحثّ على التبليغ والإنذار والدعوة