ثمّ استشكل في آخر كلامه بأنّ تخصيص أخبار الترجيح بالموافقة بما ذكر من صورة المخالفة بالعموم من وجه حمل لها على الفرد النادر ، إذ الصورة المذكورة نادرة ، وهو لا يناسب إطلاق هذه الأخبار الكثيرة ، وحملها على صورة التباين ، وإن لم يكن من باب الترجيح أيضا مشكل ؛ لأنّها أقلّ وجودا ، بل معدومة.
وقال : ويمكن التزام دخول صورة العموم المطلق في الأخبار التي أطلق فيها الترجيح بموافقة الكتاب ، فلا يقلّ موردها ، وما ذكر من ملاحظة الترجيح بين الخبرين المخصّص أحدهما لظاهر الكتاب ممنوع ، بل نقول إنّ ظاهر تلك الأخبار ـ (ولو بقرينة) (١) لزوم قلّة المورد بل عدمه ، وبقرينة بعض الروايات الدالّة على ردّ بعض ما ورد في الجبر والتفويض بمخالفة الكتاب ـ مع كونه ظاهرا في نفيهما أنّ الخبر المعتضد بظاهر الكتاب لا يعارضه الخبر الآخر ، وإن كان لو انفرد رفعت اليد به عن ظاهر الكتاب.
أقول : يظهر منه أنّه لو قلنا بعدم جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد فيكون الخبر المخالف خارجا عن الحجيّة ، فلا يكون من باب الترجيح ؛ لكن يبقى أنّه لو قلنا في تلك المسألة بالتوقف كما ينسب إلى المحقق فيتصور الترجيح بأن يقال بتقديم الخبر الموافق ، وإن كان المخالف لو كان منفردا لم يعمل به ولا بالكتاب ، إلّا أن يقال : إنّا (٢) احتملنا جواز التخصيص ؛ فلا يكون الكتاب معلوم الحجيّة حتى يكون مرجّحا للخبر الموافق ، بل يمكن أن يقال : نعلم بعدم المرجّحية ؛ لأنّه إن جاز التخصيص في الواقع فلا يكون مرجّحا ، وإن لم يجز فلا يكون الخبر المخالف حجة حتى يكون تقديم الموافق من باب الترجيح.
وكيف كان ؛ فلعلّ نظر الشيخ قدسسره فيما ذكره ـ من أنّ اللازم ملاحظة سائر المرجّحات وأنّ عموم الكتاب لا يكون مرجّحا ـ إلى أنّ العموم متأخر الرتبة في الحجيّة عن الخاصّين ، فيكون مرجعا عند فقدهما أو تساقطهما ، ولا يكون مرجّحا ، نظير الأصل العملي حيث إنّه حجّة عند عدم الدليل الاجتهادي ، فلا يصلح للترجيح
__________________
(١) أثبتنا هذا من نسخة (د) ولم يكن في نسخة الأصل.
(٢) في نسخة (د) : إذا.