واستقم (١).
ثمّ ممّا ذكرنا ظهر ما في ما ذكره بعض الأفاضل (٢) في المقام من أنّ مقتضى القاعدة ـ بناء على التعدي عن المنصوصات ـ الترجيح بالظن القياسي ؛ وذلك لأنّ النسبة بين نواهي العمل بالقياس وما دلّ من الأخبار على الترجيح بمطلق الظن ، وإن كان هو العموم من وجه إلا أنّ دلالة الأخبار أقوى من دلالة تلك النواهي من حيث إنّ شمولها للمقام إنّما هو من باب العموم الحكمتي (٣) ، وإلا فالقدر المتيقن منها حرمة العمل به على أنّه دليل مستقل ، ودليل الحكمة لا يجري إذا كان هناك فرد من العمل معهود وهو موجود ، إذ في زمان الأئمة عليهمالسلام لم يكن الترجيح بالقياس معهودا بين العامّة ؛ بل المعهود المتداول فيما بينهم العمل به على أنّه دليل ، فالنواهي الواردة منصرفة إلى ذلك المعهود ، ولا تشمل مقام الترجيح.
وأمّا أخبار التراجيح فلا قصور فيها عن شمول الظن القياسي ، فيعمل بعموم ما دلّ على الترجيح بالظن ، وتحمل النواهي الواردة في القياس على صورة جعله دليلا مستقلا ؛ جمعا بين الدليلين.
قال : هذا إذا قدمنا الجمع الدلالي على الترجيح ، وإلا فمقتضى القاعدة الرجوع إلى المرجّحات لأحد الدليلين ، وحيث إنّ كلّا الطرفين قطعي السّند فلا مورد للترجيح ، فيتوقف بينهما في مقام الاجتهاد ، ونرجع إلى التخيير في مقام العمل ، بمعنى أنّا نحكم في تعارض الخبرين ـ الموافق أحدهما للقياس ـ بالتخيير.
قلت : دعوى أقوائيّة دلالة أخبار الترجيح وأظهريّتها في شمول الظن القياسي من
__________________
(١) يضاف إلى ما سبق في التعليقة المتقدمة بأنّ دعوى خروجه عن طريقة العقلاء إن كانت مستندة لكثرة الخطأ فيه ، والعقلاء لا يرتبون أثرا على الطريق الكثير الخطأ فكلامه تام ، إلا أنّ الحكم بخروجه يكون عقلائيا لا عقليا ، وفرق بينهما ، علاوة على أنّ الإخراج من العقلاء ليس تخصصيا ، إذ أنّهم يرون الموضوع واحدا ؛ غاية ما في الأمر ضعف مرتبته من الصحّة.
(٢) رسالة التعادل والتراجيح (خاتمة) بدائع الأفكار : ٤٦٠.
(٣) في نسخة (د) : العموم الحكمي.