مع انحصاره بالنسبة إلى مقام الحكم ، لاحتمال أن لا يكون هناك معنى شرعيّا يمكن أن يراد من اللفظ ، وكذا مع الدوران بين أمور لا يؤخذ بها في نفي الخارج عنها ، لما ذكرنا.
نعم ؛ لو علمنا أنّ التقيّة في إلقاء الظاهر لا في أصل الصدور ؛ بأن لا يكون الإمام عليهالسلام مضطرا إلى التكلّم بشيء في تلك المسألة أمكن الأخذ بالمعنى التأويلي مع الانحصار ، ونفي الخارج مع التعدد ، لكنّه فرض بعيد ؛ مع أنّه ليس من جهة وجوب التورية ، بل من أجل العلم بأنّ التقيّة في إلقاء الظهور لا في أصل الصدور ، فما اختاره بعض الفقهاء من الحكم باستحباب الوضوء عند خروج المذي ، وبعد الرعاف والقيء .. ونحوها من جهة حمل الأخبار الواردة في ذلك على الاستحباب ـ بعد حملها على التقيّة ـ بدعوى أنّ التقيّة في إظهار الوجوب ؛ لأنّه مذهب العامّة فيكون المراد الاستحباب ، لا وجه له إلا بعد إحراز أنّ الامام عليهالسلام لم يكن مضطرا في أصل صدور الخبر ، وإنّما كان الاضطرار ـ على فرض البيان ـ إلى إظهار الوجوب ، فيكون مراده المعنى المجازي ، وهو الاستحباب.
ولكن أنّى يمكن إثبات ذلك ، إذ غاية الأمر أنّ الخبر ليس جوابا عن سؤال ، بل ابتداء بيان منه عليهالسلام ؛ لكن يمكن أن يكون ـ مع ذلك ـ أصل الصدور تقيّة.
ثمّ إنّ هذا الذي ذكرنا إنّما ينفع إذا علمنا بصدور الخبر تقيّة أو كان مقرونا بقرائن التقيّة ، وإلا ففي مقام الترجيح في المتعارضين لأجل موافقة العامّة لا ينفع ، ولو علمنا أنّه ـ على فرض كونه تقيّة ـ تكون التقيّة في ظهوره لا في صدوره ، وذلك لما عرفت من أنّ مقتضى الترجيح ليس هو الأخذ بالموافق وحمله على التقيّة ، بل مجرّد الأخذ بالمخالف ، وأنّ الموافق لعلّه صدر تقيّة من جهة وجود الأمارة عليها.
ثمّ إنّ ما ذكره الشيخ من وجوب التورية على الإمام عليهالسلام وإرادة خلاف الظاهر إنّما يتم إذا كانت التقيّة في مقام البيان ، ومن الإمام عليهالسلام ، لا في عمل الراوي ، وإلا فيرد (١) الإمام عليهالسلام ظاهر الكلام الملقى إلى ذلك الراوي ، إلا أن يكون التعبير بمثل قوله عليهالسلام
__________________
(١) في نسخة (ب) و (د) : فيريد. والظاهر صحّة هذه الكلمة.