قلت : الحاكم بالتخيير وإن كان هو العقل إلا أنّ الموضوع شرعي والمفروض أنّ الشارع علّق الوجوب على كلّ منهما من حيث هو ، ولم يعلم أنّه عيّن ـ بعد العجز ـ أحدهما أم لا ، فإذا دفعنا التعيين بالأصل فيحكم العقل بالتخيير ، فموضوع حكم العقل هو كون كلّ منهما واجبا شرعا مع عدم المزيّة لأحدهما شرعا ، ومن ذلك يظهر أنه لا وجه لما ذكره الشيخ المحقق (قدسسره) في الرسالة (١) من أنّه مع احتمال الأهميّة يجب الترجيح.
هذا كلّه بناء على ما هو التحقيق من أنّ الدليل يشمل كلّا (٢) منهما عينا حتى في صورة العجز ، وأنّ التنجز ليس من مدلول اللفظ بل هو بيد العقل وأنّه لا ينافي الخطاب الشرعي مع (٣) وجود المانع من التنجز.
وأمّا بناء على عدم الشمول فلا بدّ من دعوى أنّ المناط معلوم في كل منهما والشك في زيادته في الآخر حتى يكون مقتضيا (٤) والأصل عدم الزيادة ولكن العلم بوجود المناط في كليهما مع عدم شمول الدليل حتى في صورة احتمال الأهميّة مشكل.
وأمّا الصورة الأولى من الدوران بين التعيين والتخيير في الحجّتين فقد يقال إنّ القاعدة تقتضي التعيين ؛ لأنّ الأصل في الأدلة عدم الحجيّة عند الشك ، ولا فرق بين أن يكون الشك في الحجيّة الابتدائيّة أو الحجيّة الفعليّة بعد إحراز الحجيّة الشأنيّة كما في المقام ؛ فإنّ المرجوح وإن كان حجّة في نفسه إلا أنّ حجيّته فعلا مع معارضة الراجح (٥) غير معلوم ، فالأخذ به والفتوى بمؤداه تشريع محرم بالأدلة الأربعة.
ولكنّ الحق فيه أيضا التخيير إذا فرضنا أنّ الحكم ـ على فرض عدم المرجحيّة ـ ذلك ؛ وذلك لأنّا إذا قلنا إنّ أدلّة حجيّة الأخبار مثلا تشمل صورة التعارض أيضا وأنّ مقتضى ذلك بحكم العقل هو التخيير بينهما إلا في صورة وجود معيّن لأحدهما
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ٥٢ ـ ٥٣.
(٢) في الأصل كتبت هكذا : كل كلّا.
(٣) لا توجد كلمة «مع» في نسخة (ب).
(٤) في نسخة (ب) و (د) : متعينا.
(٥) في نسخة الأصل : التراجح ، وما أثبتناه من النسخة (ب) و (د).