وبالشأني ما يكون معذورا في المخالفة بواسطة جهله بالواقع لا عن تقصير ، فتسميته الأحكام الواقعيّة أحكاما شأنية لا يخلو عن مسامحة ، إذ الحقّ أنّها أحكام متحقّقة صدرت لغرض الامتثال ، ولذا يجب الفحص عنها ، ولا يعذر المكلّف الجاهل بها في المخالفة ما دام مقصّرا ، ولكن العلم بها إجمالا أو تفصيلا شرط عقلي في تنجّزها ، أي في التزام المكلّف بها ، وحسن المؤاخذة على مخالفتها ، فهو شرط في تنجّز التكليف بها عقلا ، أي في وجوب امتثالها الذي هو حكم عقليّ ، ولا يعقل أن يكون كالقدرة على الفعل شرطا واقعيّا للأحكام الشرعيّة ، للزوم الدور ، فالحكم الشرعيّ عبارة عن إلزام الشارع بفعل شيء ، أو تركه أو الرخصة فيه ، وهذا مقدّم في الرتبة على العلم به ، فلا يعقل أن يكون للعلم به دخل في تحقّقه ، ولكنّه شرط عقلي في ترتّب الأثر عليه ، أي وجوب الخروج عن عهدته ، وجواز المؤاخذة على مخالفته ، فإطلاق الحكم الشأني على الأحكام الواقعيّة المجهولة ، بلحاظ عدم كون المكلّف ملتزما بها بالفعل في مقام العمل ، وكونه معذورا في مخالفتها ، لا عدم كونها أحكاما فعليّة في الواقع ، كما لو اضطرّ إلى ارتكاب محرّم ، أو ترك واجب لا بواسطة الجهل ، فانّه يصير حينئذ الحكم الواقعيّ الثابت للشيء من حيث هو ، بواسطة الاضطرار المانع عن فعليّته ما ينافي الواقع حيث أنّ عدم الاضطرار إلى مخالفتها شرط واقعي في تنجّزها ، بخلاف عدم الجهل.
قوله قدسسره : وامّا القسم الثاني فهو على وجوه (١).
أقول : قد نبّه المصنّف قدسسره على ثلاث منها ، وهاهنا وجه رابع ، وهو أن يكون للأمارة القائمة على الواقعة تأثير في الفعل الذي تضمّنت الأمارة حكمه ، ولكن لا
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٧ سطر ٦ ، ١ / ١١٣.