يكشف عن أنّ الشكّين كليهما مسبّبان عن العلم بالتنافي بين الأمرين.
قلت : كأنّك غفلت عمّا نبّه عليه المصنّف رحمهالله آنفا ، من أنّ الخاص إذا كان قطعيّا وارد على اصالة العموم ، وحاكم عليها على تقدير كونه ظنّيا ، فلا ينافي التعبّد بسند عموم ما دلّ على حجّية الظواهر ، وهذا بخلاف التعبّد بصدور أحد الظاهرين ، فكأنّك زعمت أنّ معنى الورود والحكومة ليس إلّا ارتفاع الشكّ عن أحدهما عند إحراز وجود الآخر ، فمتى احرز وجوده حقيقة ، يرتفع الشكّ حقيقة فهو الورود ، ومتى تعبّد فهو الحكومة ، فأجريتهما ، في تعارض الظّاهرين وغفلت من أنّ هذا سار في مطلق المتلازمين ، وإنّما المناط في الورود والحكومة أن يكون إجراء الأصل في الشكّ السببي موجبا لمعرفة حكم المسبّب ، بأن يكون حكمه متفرّعا على الأصل الجاري في الشكّ السببي ، بحيث لا يلزم من تفريعه عليه ، مخالفة الاصول المقتضية لخلافه بالنسبة إلى الشكّ المسبّبي من حيث هو ، وإلّا لوقعت المعارضة بين الاصول الجارية فيهما.
توضيح الفرق : إنّ الخاص القطعي السند والدّلالة ، من آثاره عند العرف تخصيص العام به ، فإذا ورد «أكرم العلماء» و «لا تكرم زيدا العالم» ، يكون لدى العرف بمنزلة ما لو قال «أكرم العلماء إلّا زيدا» ، فإذا احرز وجود الخاصّ بالقطع ، لا يبقى مجال للتشكيك في عدم شمول حكم العام له ، فلا يجري حينئذ أصالة العموم ، لأنّ مجراه الشكّ في التخصيص ، وحيث أنّ المفروض كونه قرينة لدى العرف في فهم التخصيص ، ينعقد للمجموع ظهور ثانوي في إرادة ما عدا مورد الخاص من الحكم العام ، فلا ينافيه عموم ما دلّ على حجّية الظواهر ، فلا يلزم من الأخذ به مخالفة شيء من اصالتي العموم وحجّية الظواهر ، فإذا كان صدوره ظنّيا ، ودلّ الدليل ـ ولو من حيث العموم ـ على حجّية الظنّ ، لا مانع من الأخذ به ، إذ بعد التعبّد بصدوره يكون بحكم المقطوع ، فلا يزاحمه شيء من الأصلين.