قبل العقل لا من الشارع. نعم للشارع أن يعمّم الموضوع الذي يراه العقل مورد التكليف ، منجز بإيجابه للاحتياط ، فيتنجّز حينئذ الواقعيّات المشكوكة التي لو لا إيجابه للاحتياط لكان العقل حاكما فيها بنفي التكليف ، تعويلا على قبح العقاب بلا بيان ، فنسبة التخصيص بالعالم إلى الشارع ، مع عموم الخطابات الشرعية الصادرة منه ، المتوجّه إلى المكلّفين الغير المقيّدة بالعلم والجهل لا يخلو عن مسامحة فليتأمّل.
قوله قدسسره : فتأمّل (١).
أقول : لعلّه إشارة إلى ما سيذكره في تضعيف هذا الاستدلال في محلّه.
قوله قدسسره : وفيه أنّ الظّاهر ممّا حجب الله علمه ... الخ (٢).
أقول : إن اريد بما لم يبيّنه للعباد ما لم يبيّنه رأسا حتّى للنبي والوصي عليهمالسلام ، فلا واقعية له كي يعقل أن يصير علمه محجوبا عن العباد إذ ما من حكم إلّا وبيّنه الله لنبيّه والنبيّ للوصي ، بل كيف يعقل أن يأمر الله عباده بشيء أو ينهاهم عن شيء ، ولم يبيّنه لهم أصلا؟ فالمراد ب «ما حجب الله علمه عن العباد» ليس إلّا الأحكام المبيّنة المعلومة لدى أهل العلم ، فاريد بالرواية بيان كونها موضوعة عمّن لم يقدر على معرفتها كما هو المطلوب ، فنسبة الحجب إلى الله تعالى كنسبة سائر الأشياء إليه نظير قوله عليهالسلام : «ما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر» (٣) فتنظيرها على قوله عليهالسلام : «إنّ الله سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا» (٤) في غير محلّه إذ لا تكليف في الواقع فيما سكت عنه. وهذا بخلاف المقام ، فانّ التكليف في الواقع محقّق ولكنّه حجب
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٩٧ سطر ٤٢ ، ٢ / ٣٥.
(٢) فرائد الأصول : ص ١٩٩ سطر ١٠ ، ٢ / ٤١.
(٣) بحار الأنوار : ج ٢ ، ص ٢٧٢.
(٤) وسائل الشيعة : ج ١٥ باب ٢٤ حديث ٢٠٤٥٢.