[١٤] (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) فلا يقابلوا أذاهم بالمثل (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ) من الكفار (أَيَّامَ اللهِ) أي الأيام التي يجري الله فيها أمرا عظيما من إحسان أو انتقام ، لأنهم كفار بالله فلا يتوقعون شيئا من قبله (لِيَجْزِيَ) الله (قَوْماً) أي الكافرين (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي بمقابل ما عملوه من الأعمال السيئة ، فإنه إن قابل المسلم الكافرين في أذاهم فربما لم يبق لجزاء الله موقع بعد ذلك ، أما إن صفح المؤمنون فإنه يبقى محلا لمجازاة الله التي هي أكبر من جزاء المؤمنين لهم.
[١٥] (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) لأن جزاءه عائد إلى نفسه (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) على نفسه (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) في الآخرة فيجازي كلّا جزاء عمله.
[١٦] (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) التوراة (وَالْحُكْمَ) السلطة والحكم بين الناس (وَالنُّبُوَّةَ) كان فيهم أنبياء كثيرون (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) اللذائذ المحلّلة (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) عالمي زمانهم ، حيث إنهم حينذاك كانوا على الحق ومن عداهم على الباطل.
[١٧] (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ) أدلة واضحات (مِنَ الْأَمْرِ) أوامرنا لهم (فَمَا اخْتَلَفُوا) في ذلك الأمر (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بما هو الحق وما هو الباطل (بَغْياً) حسدا (بَيْنَهُمْ) فأراد كل فريق أن يجلب الناس إلى ناحيته فأبدع شيئا جديدا (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي) يحكم (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإثابة المحق وعقاب المبطل.
[١٨] (ثُمَّ جَعَلْناكَ) يا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (عَلى شَرِيعَةٍ) طريقة (مِنَ الْأَمْرِ) أمر الدين (فَاتَّبِعْها) اعمل بهذه الشريعة (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الحق في أي شيء من أمر الدين.
[١٩] (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا) لن يفيدوا (عَنْكَ مِنَ اللهِ) مما أراد الله بك (شَيْئاً) بأن يدفعوا عن الآثم عقابا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فليس المسلم منهم (وَاللهُ وَلِيُ) وهذا كالعلة في (لا تتبع) (الْمُتَّقِينَ) فإنه تعالى يتولى شؤونهم فاللازم عليهم أن يتبعوا أوامره لا أهواء الكفار.
[٢٠] (هذا) القرآن (بَصائِرُ) أسباب بصيرة (لِلنَّاسِ وَهُدىً) من الضلال (وَرَحْمَةٌ) أسباب رحمة (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) بما قاله الله ، والاختصاص بهم لأنهم المنتفعون بالقرآن.
[٢١] (أَمْ) هل (حَسِبَ) زعم (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا) اكتسبوا (السَّيِّئاتِ) الكفر والمعاصي (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) حياتهم وموتهم بأن نسعدهم في الدنيا والآخرة ، والاستفهام للإنكار (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بئس الحكم حكمهم.
[٢٢] (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لا بالعبث والباطل (وَلِتُجْزى) عطف على (بالحق) أي كان الخلق لأجل إحقاق الحق ولأجل الجزاء ، ولعلّ معنى (بالحق) أن كمال الخالق واقتضاء المخلوق يقتضي الخلق (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) من خير وشر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في الجزاء فلا يزاد على إساءة المسيء ولا ينقص من إحسان المحسن.