إلّا إنّه قد تكاثرت الأخبار بأن تارك الجماعة مع عدم العذر مستحق للحرق بالنار ، وقد تكرر ذلك في صحيحة ابن أبي يعفور (١) المتقدمة ، مع أن الجماعة إنّما هي مستحبة ، فلو لم يكن ذلك معصية [فكيف] يستحق الحرق بالنار الذي لا يفعل إلّا بالكفار؟!
وورد أيضا لو أنه أصرّ أهل مصر على ترك الأذان لكان على الإمام أن يقاتلهم (٢) ، مع أن الأذان إنّما هو من المستحبات.
وبالجملة ، فالظاهر إنّما هو ما ذكره شيخنا المقدم ذكره. وأمّا الأخبار التي أشار إليها من أنه من لقي الله عزوجل بالصلوات الخمس لم يسأله عن النوافل ، ومن لقيه بصيام شهر رمضان لم يسأله عن صيام التطوع ، فهو محتمل لأمرين :
أحدهما : أن المراد أن من لقيه بهذه الفرائض كاملة من جميع الوجوه لم يسأله عن النوافل ؛ لأنها إنّما شرّعت لإتمام الفرائض ، وإذا لقي الله تعالى بالفرائض تامة على الوجه الذي أراده وندب إليه لم يسأله عن التطوع.
الثاني : أن المراد : من لقيه بالفرائض على غير الوجه المذكور ، بأن يترك النوافل أحيانا لعذر أو لغير عذر لا تركا ناشئا عن الإصرار على تركها والتهاون بها ، وعدم المبالاة بما ورد في الحث عليها.
والظاهر أنه عليهالسلام إنّما آثر الصلاة جماعة في كونها مظهرا للعدالة ودليلا عليها ،
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٤ / ٦٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٩٢ ، كتاب الشهادات ، ب ٤١ ، ح ١.
(٢) الحبل المتين (ضمن رسائل الشيخ بهاء الدين) : ١٣٣ ، ونسبه للأصحاب ، المبسوط (السرخسي) ١ : ١٣٣ ، ونسبه لمحمد ، والظاهر أنه الماتن محمد بن أحمد المروزي ، والسرخسي إنما هو شارح لمختصر (المبسوط) لا مؤلفه كما أشار إلى ذلك في مقدّمة كتابه ، حيث إن المبسوط هو جمع لما فرّعه أبو حنيفة. وقد أشرنا إلى ذلك في الجزء : ٣ ، الصفحة : ٧٤ ، الهامش : ٣. انظر المبسوط ١ : ٣ ـ ٤.