غير صادر وإمّا لأنه صادر على جهة التقية وإمّا لأنّه اريد به غير ظاهره ، ولمّا كان ذلك الخبر مشتبها فيما بين المتعارضين صار العام المثبت لحجية الأمارة كلية مجملا بالنسبة إليهما لا يجوز التمسك به في شيء منهما.
وفيه أوّلا : النقض بما لو علم بكذب أحد الخبرين من غير تعارض بينهما ، مع أنّ الظاهر عدم التزام المستدل بالإجمال فيه ، اللهم إلّا أن يلتزم به. وثانيا : منع كونه من قبيل المخصص بالمجمل ، إذ لا وجه للتخصيص وخروج أحد المتعارضين عن عموم الدليل ، لأنّ ملاك الحجية ليس هو مصادفة الأمارة للواقع ، بل الخبر غير المصادف للواقع أيضا حجة إذا اجتمع فيه شرائط الحجية من العدالة والضبط وغيرهما ما لم يعلم تفصيلا كذبه أو كونه صادرا على وجه التقية أو اريد به معنى تأويلي ، وهذا هو الملاك في الحجية وهو موجود في المتعارضين الواجدين لشرائط الحجية ، نعم إن كان هناك خبران مثلا وعلمنا أنّ أحدهما غير جامع لشرائط الحجية واشتبه شخصه عندنا فهذا من قبيل التخصيص بالمجمل.
وبالجملة مقام الحجية مقام ومقام مصادفة الواقع مقام آخر ، ولا يعتبر في مقام الحجية مصادفة الحجة للواقع ، بل الخبر غير المصادف واقعا حجة واقعا بحيث لو طرحناه فقد طرحنا الحجة الواقعية ، وما نحن فيه نظير الأصلين اللذين نعلم بمخالفة أحدهما للواقع كما لو توضّأ بمائع مردد بين الماء والبول فإنّ كلا من أصالة بقاء الحدث وبقاء طهارة البدن جار يشمله دليل الحجية لتمامية ميزان الأصل في كل منهما ، ولا يضر العلم الاجمالي بكون أحدهما مخالفا للواقع ، نعم لو لزم من إجراء الأصلين طرح تكليف منجّز لا نعمل بواحد منهما رعاية لذلك التكليف ، وبمثله أيضا نقول فيما نحن فيه إذا كان هناك خبران قد علمنا بأنّ العمل بهما يلزم طرح تكليف لا يجوز العمل بواحد منهما فليتأمل ، وقد مر في رسالتي أصالة البراءة والاستصحاب شطر من هذا الكلام.